محاولات توحيد المعارضة السورية لم تتوقف، وآخرها مبادرة أحد الشباب في اسطنبول عمل قائمة لمجلس وطني انتقالي، واختيار برهان غليون رئيسا له. تلك المبادرة وتلقف الإعلام لها يعكس الحاجة الملحة لملء الفراغ القيادي. وسواء وقع الاختيار على غليون أم على قيادي إسلامي أم أكاديمي أم عسكري، فإن ذلك يخدم قضية الشعب السوري الذي قدم أكبر فاتورة دم في الربيع العربي.
برهان غليون مفكر ومناضل، لم يتردد في الوقوف مع شعبه من اليوم الأول للثورة، وهذا وفاء لسيرته النضالية. كتبه المنثورة من عقود تكشف عن قامة فكرية رزينة أصيلة، تعتز بهويتها وتعيش عصرها. وهو تعبير راق عن ثقافة لا تجد نفسها نقيضا للأمة قيما وحضارة، سميت علمانية أم عقلانية أم مدنية لا يهم.
يوما دعا المفكر الراحل محمد عابد الجابري إلى استخدام كلمة عقلانية بدلا من العلمانية، كون الأخيرة ارتبطت بتجارب سلبية في العالم العربي.
وفي سورية تحديدا تعرض الشعب السوري لأبشع أشكال العلمانية. ففي الجيش العربي السوري كانت العلمانية تعني سباب الدين ومنع المسلمين من ممارسة الشعائر، وغير ذلك من ممارسات قبيحة يعرفها كل من خدم في الجيش، أي كل شباب سورية.
باسم العلمانية مورست أبشع أشكال الطائفية والتجهيل والانحطاط في سورية. وفي تعبير “لا إله إلا بشار” والسجود لصوره نموذج لدين علماني بدائي، ولذا، فإن مهمة غليون ليست سهلة. مفكرا وقائدا، لا يضيف جديدا على ما نظّر في أدبه السابق، المهم أن يتحول التنظير إلى قيادة وتدبير، يسرع في بناء سورية المدنية العصرية. وهي إذ تعاصر لا تغادر جغرافيتها وقيمها.
أعرف أن كثيرا من شباب المساجد والجماهير التي هتفت “ع الجنة رايحين شهداء بالملايين” كانت تحب أن ترى قائدا يشبهها، أي إسلاميا يذكرها بمروان حديد وغيره من الشهداء الذين قضوا في مقارعة نظام الأسد. ولكن أولئك الشباب عليهم أن يدركوا أن زمن القائد الفاتح انتهى، وأن العالم اليوم يعيش مرحلة القائد العادي الذي يأتي بصناديق الاقتراع ويذهب بها، وهو مؤقت لا دائم إلى الأبد.
لن تضيع تضحيات شباب المساجد بانتخاب علماني رئيسا للمجلس الانتقالي. ومقولة أننا لم نضح من أجل استبدال علماني بعلماني غير صحيحة. فالعلمانيون أيا كانت طوائفهم، والمسيحيون والعلويون والدروز هم مواطنون سوريون، والثورة هي من أجل إنهاء نظام الطائفة الواحدة والحزب الواحد والقائد الواحد وبناء دولة المواطنة، دولة لكل أبنائها.
في المقابل، على الآخرين أن يقبلوا باختيار إسلامي، فالتيار الإسلامي هو الذي يقود الثورة الآن من خلال المساجد، واتحاد التنسيقيات يغلب عليه الجو الإسلامي، وقبل ذلك فإن مجازر حماة وتدمر وغيرهما دفع الإسلاميون ثمنها من دماء خيرة قادتهم وشبابهم. وعلى العلمانيين أن يتحلوا بفضيلة التواضع أيضا.
كلمة أخيرة، من أقرب إلى قيم الدين، الشيخان البوطي وحسون أم برهان غليون؟ قيم الدين تقوم على الحرية والعدالة والحق. المعمم الذي يقف مع الطاغية هو تماما كما رجال الكنيسة الذين كانوا يقفون في قرون الظلام مع قصور الحكم والإقطاع في أوروبا.
تشكيل المجلس الوطني الانتقالي سيكون هدية العيد لمن ضحوا في سورية. لن تضيع دماء حمزة الخطيب ولا دموع أمه، ومثله ملايين الشعب السوري الذين سلبت إنسانيتهم على يد أبشع نظام عرفته المنطقة. إن انتظار العيد لن يطول.
هل تريد التعليق؟