في الأجواء المؤيدة لنظام الطاغية بشار الأسد حالة من البهجة الجنونية، تذكر بما تسرب من وثائق القذافي. فهو في غضون جمود الوضع وتراجع الثوار، حسب أن الثورة “المضادة” هزمت، فاستعد لحفل الانتصار من خلال تنصيب نفسه إمبرطورا، بعد أن كان ملك الملوك.
اليوم، وبعد قمة بغداد، خرج علينا إعلام الشبيحة بأخبار الانتصارات المدوية. فالقمة العربية أحبطت المؤامرة برفضها التدخل الدولي والتسليح، أو هكذا قرئت. وبدون مقدمات، يتحول نوري المالكي من مسؤول الخط العسكري في حزب الدعوة، الذي يعتبر تفجير السفارة العراقية ببيروت والذي قضت فيه بلقيس زوجة نزار قباني واحدا من أبرز عملياته، والقادم على ظهر الدبابة الأميركية، وابن الزواج الأميركي-الإيراني في العراق، إلى جمال عبدالناصر الذي يقود المشروع العربي في مواجهة الاستعمار!
في أجواء انتصار كهذه بقادة كهؤلاء، يمكن أن تطبق خطة القذافي بتنصيب بشار الأسد إمبراطورا لبلاد الممانعة، من لبنان إلى العراق، وصولا إلى كوريا الشمالية والصين وروسيا. يعلن إمبراطورا، وفي كل شبر له انتصارات، وخصوصا دخول الفاتحين إلى بابا عمرو. لكن قبل حفل التنصيب على الشبيحة أن يتذكروا بعض الحقائق، وهي أن “المؤامرة” لم تبدأ حتى تهزم، فالذي يقاتل منذ أكثر من عام هو الشعب السوري الأعزل، والجيش السوري الحر الذي لا يمتلك ذخيرة لأسبوع.
فقوات مشاة البحرية الأميركية يصلون إلى أي نقطة في العالم خلال 18 ساعة. وقد وصلوا إلى العراق واحتلوه بدون قرار دولي ولا روسيا ولا صين. وطائرات الـ”إف 16″ قصفت السفارة الصينية في حرب البوسنة، و”إمبراطور” الصرب تحول إلى مشعوذ قبل أن يقع في يد العدالة. وما يربط الروس بالصرب مذهبا وعرقا وسياسة أكثر مما يربطها بإيران وسورية.
وبما أن المؤامرة إسرائيلية أيضا، فإن سيرة آل الأسد لا توثق حالة صمود واحدة أمام الإسرائيليين، فقد ولوا الأدبار في لبنان والجولان من قبل.. أما تركيا، فقد كانت جيوشها مستعدة لدخول دمشق العام 1997، لكن آل الأسد رضخوا وتخلوا عن عبدالله أوجلان، تماما كما تخلوا عن لواء الإسكندرون مسقط رأس الأسد.
لا يحتاج “الإمبراطور” إلى مؤامرة أميركية إسرائيلية تركية خليجية.. يحتاج تفعيلا للقوانين الدولية التي طبقها العالم على كل العالم، باستثناء فلسطين. فوقف الجرائم ضد الإنسانية يتطلب تسليح الجيش الحر، وتقديم الإسناد الجوي. ولو أن الجيش الحر تسلح بصواريخ “ستينغر” المضادة للطيران، وصواريخ “جافلن” المضادة للدروع، أو ما يوازيها، فستشل قدرات النظام العسكرية، وسيتمكن ملايين المتظاهرين من حسم المعركة.
المشكلة لدى الأميركيين أن صواريخ “ستينغر” التي وضعت في يد المجاهدين الأفغان وأنهكت طيران السوفييت، انتهت إلى عناصر حماية أسامة بن لادن. هنا يحضر الاستثناء الفلسطيني. فوصول تلك الأسلحة لعناصر إسلامية غير منضبطة، في ظل استمرار احتلال الجولان ووجود مليون نازح، منهم أعضاء في المجلس الوطني للثوار، يهدد أمن الدولة العبرية التي لا تُخرق القوانين الدولية إلا من أجلها.
تلك المشاكل تحل، وما تعرفه إيران التي تقاتل، هي وحزب الله، القتال الحقيقي دفاعا عن بشار، أن الإسرائيليين يريدون ابتزاز أميركا؛ إيران وحزب الله أولا، أم سورية أولا؟ وما هو الثمن؟ وما هي الضمانات؟ للأسف، تخسر القضية الفلسطينية، على المدى القصير، برحيل بشار وضرب نفوذ إيران في المنطقة. لكنها لا شك تكسب كثيرا عندما تعود إلى حضن الشعوب الحية.
وفي النهاية، المسؤول عن كل هذه المجزرة الملهاة، هو الإمبراطور الأخير وشبيحته الذين قادوه إلى هذه النهاية.
هل تريد التعليق؟