مقالات

بشار ليس قادرا على تهديد الأردن

لم يكن لمقابلة بشار الأسد، أول من أمس، رسالة غير توجيه تحذير للأردن؛ فهو ليس في وضع يمكنه من التهديد. والتصريح الصادر عن رئاسة الجمهورية قبل بث المقابلة على قناة “الإخبارية”، لم يتضمن غير ما خص الأردن. فلا يعرف عن النظام السوري اللياقة والأدب تاريخيا؛ إن على مستوى السلوك أو الخطاب.
فالأسد هو الذي خاطب خصومه بأشباه الرجال؛ وهو الذي ظل يتهمه المالكي، أقرب حلفائه اليوم، بإرسال المفخخات إلى العراق؛ ونظامه المتهم باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وغيره من الساسة اللبنانيين. واليوم يدعو الأردن إلى الاستفادة من التجربة العراقية. والصحيح أن الأردن تعرض لعمليات إرهابية ومحاولات فاشلة كانت تمر بدمشق. ومراجعة بسيطة لملفات محكمة أمن الدولة تكشف ذلك.
طبعا، في المقابلة يزايد على الأردن الذي يسمح بدخول آلاف المقاتلين ولا يسمح بدخول مقاتل لإسرائيل. والسؤال المردود: هل سمح بشار بذلك لمليون نازح جولاني يحلمون بالعودة إلى قراهم التي هُجروا منها، أو التظاهر سلميا للمطالبة بالعودة؟ النازحون من الجولان هم أبناء المناطق الساخنة في الحجر الأسود والقدم وغيرها. والحدود الأردنية-السورية شهدت اشتباكات لمنع مقاتلين عرب وأردنيين من التسلل.
يعلم بشار أن الأردن مصنف في المرتبة الأولى عالميا في محاربة “القاعدة” و”النصرة”. وسبب انخراطه مؤخرا في التحالف المضاد لبشار هو انهيار النظام السوري، والفراغ المتروك بعد النظام قد تملؤه “النصرة”. ولذا، كان الخيار الرسمي هو دعم الفصائل المعتدلة حتى لا تسيطر “النصرة” على المشهد.
لا أتفق مع الموقف الأردني الرسمي المتردد على مدى عامين. وكنت من الداعين إلى إنقاذ الشعب السوري والدولة السورية من عمليات الإبادة والتدمير التي ينفذها نظام بشار تحت شعار “الأسد أو نحرق البلد”. وهو بالفعل قتل أكثر من مئة ألف، ودُمرت البلاد بدعم عسكري أجنبي من إيران وحزب الله وروسيا، فيما العالم يراقب الحدود ويمنع وصول السلاح النوعي للثوار.
يقول القادمون من مدينة طرطوس إنها تحولت إلى مدينة روسية. وفي ظل طائفية المعركة التي أعلنها بشار، يشارك الإيراني والعراقي واللبناني في القتال. “النصرة” التي يقدر تعدادها بثلاثة آلاف، لا تقارن مطلقا بالأجانب الذين يقاتلون مع النظام. هذا مع الفارق الكبير بين من يدافع عن شعب منكوب، ومن يقاتل مع نظام مجرم. والأردن متأثر ومؤثر بما يجري في سورية، وليست وظيفته فقط استقبال اللاجئين الذين شردهم بشار.
ليس بحثا عن مكسب اقتصادي أو نفوذ سياسي، بل درءا لكارثة، وقف الأردن مع الشعب السوري ضد نظام وحشي، تسبب بكارثة لبلده وللعالم العربي. وهذا الموقف اتسم بالحذر والتردد، وظل يصنف بأنه أقرب للنظام خلال العامين الماضيين. وهو إذ حسم موقفه يكسب أخلاقيا وسياسيا، ولا ضرر عليه من نظام منهار متداع.
من يلوحون بتهديدات بشار، عليهم أن يدركوا أنه غير قادر على تأمين دمشق. ومن يعتقدون أن 200 عسكري أميركي سيسقطون نظامه واهمون أيضا. الشعب السوري، بشجاعة أسطورية استشهادية، تمكن من إسقاطه سياسيا في القمة العربية، وسيخرجه من قصره في دمشق، إن كان يقيم فيه أصلا. وسيحتفل الأردنيون مع السوريين بلحظة تحرر طال انتظارها.

هل تريد التعليق؟