مقالات

بوتفليقة وبشار والسيسي على نفس الكرسي

ما المفاجئ بمشهد بوتفليقة وهو يقود البلاد لولاية رابعة شبه ميت؟ لولا الربيع العربي أما كان مبارك سيكرر المشهد ذاته؟ وهل القصة هي أن الانتخابات غير نزيهة أم أن الرئيس يعاني من أوضاع صحية صعبة؟ في ظل هيمنة الجيش والأجهزة الأمنية يستعد بشار الأسد للترشح لولاية جديدة بعد أن شرد نصف السكان ودمر البلاد وقتل نحو مئتي ألف، وإيران تبشرنا بأنها قررت أن يبقى. والسيسي بعد انقلاب دموي يحير المحللين هل سيفوز تزكية بلا منافس أم أنه سيدخل مع صباحي في منافسة محسومة يؤدي فيها الأخير دور الكومبارس في الأفلام المصرية الذي يتلذذ بتلقي الضربات من بطل الفيلم؟
لا مفاجآت، هذا استمرار لنهج يحكم البلدان العربية منذ عهد الانقلابات العسكرية. لم يفز بوتفليقة اليوم، هو مجرد ظل للعود الأعوج الذي يتحكم بالبلاد منذ الانقلاب على المسار الديمقراطي. سواء كان الجنرال خالد نزار أم الجنرال توفيق أم غيرهما. مافيا عسكرية تتحكم بموارد البلاد الهائلة، وتتاجر بإرث جبهة التحرير الوطني وتستخدم فزاعة الإسلاميين. ولا شيء خدم المافيا مثل ارتفاع أسعار النفط والغاز بحيث صار ممكنا ترك فتات كاف لإسكات الشعب بعد عمليات النهب واسعة النطاق.
الثورة المضادة على الربيع العربي خدمتهم. والتي لعب عسكر الجزائر دورا مهما فيها. تآمروا على تونس وليبيا وما يزالون، معتمدين على تجربة غنية في صناعة الفوضى. لنتذكر أن الجزائر سبقت الربيع العربي في مطلع التسعينيات، وسبقت في الثورة المضادة. استفاد العسكر من سذاجة الجبهة الإسلامية للانقاذ ، واخترقتها، وشجعت التيارات المتطرفة فيها، وبرعت أمنيا وعسكريا في عزل المعتدلين من أمثال محمد السعيد وعبدالقادر حشاني وتصدير المجرمين الأرهابيين من “الجيا” الجماعة الإسلامية المسلحة. ذلك كله صدرت فيه كتب ودراسات سواء من ضباط مخابرات جزائرية منشقين أم من منشقين عن الجيا.
قراءة العسكر الجزائري للربيع العربي لم تختلف عن قراءتهم لتجربة الجزائر قبل عقدين. الانحناء أمام العاصفة ثم الالتفاف والاختراق والانقلاب. ولم يترددوا في الوقوف مع القذافي إلى آخر رمق وهم اليوم مع بشار والسيسي أيضا بالحماسة ذاتها. وهم بعد فوز الرئيس التاريخي يدركون أن الفضيحة تنتهي بعد أيام، وفي الأثناء يبرعون في تحقيق الاختراقات من خلال الرشى المالية والسياسية والترهيب والسطوة الأمنية، والمناخ الدولي والإقليمي في صالحهم.
يدرك العسكر الجزائري أن المواطن الذي ذاق الويلات في سنوات الحرب الأهلية التي قتل فيها ما لا يقل عن مئة ألف جزائري، يفضل بقاء الرئيس المقعد والنهب والسرقة على العودة لتلك المرحلة. خصوصا أن عوامل التفتيت والتفسخ موجودة والعسكر قادرون على استثمارها. سواء مع الأمازيغ والقبائل أوعلى مستوى سياسي وثقافي بين إسلاميين وعلمانيين.
 تتحمل المؤسسة العسكرية المسؤولية الأولى في ما آلت إليه البلاد، ويشاركها المسؤولية “نخب” اشتريت أو خوّفت. والإسلاميون بأطيافهم يتحملون مسؤولية أيضا، فالسذاجة في السياسة تعادل الإهمال في المال، ومن يسرق منه بسبب إهماله في النتيجة مثل لص محترف. لكن، ليس بعد. الثابت في منطقتنا المفاجآت، وليس منها فوز بوتفليقة وبشار والسيسي.

هل تريد التعليق؟