مقالات

بوتين خدم إسرائيل أم بشار؟

من المفهوم أن يحتفل الصهاينة بالاختراق الدبلوماسي الروسي الذي تمكن من تأجيل الضربة العسكرية لنظام بشار، بقدر ما هو مخز احتفال “المقاومين” من حزب الله إلى أصغر شبيح بتدمير السلاح الاستراتيجي الكيماوي الذي بني بعقول وسواعد وأموال السوريين، أملا في استرداد الجولان السليب، وإعادة مليون سوري هجروا منه، وتحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني. لكن النظام استخدم السلاح ضد الشعب الأعزل، ثم سلمه أملا في البقاء، أو تأجيل تنفيذ حكم الإعدام.
حسنا فعلت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن حين دانت تلك الخطوة، ووصفت تسليم السلاح بـ”الخيانة”. والمؤسف أن النظام الذي لا ثابت لديه إلا البقاء في السلطة، وبأي ثمن، قدم تنازلات بلا شروط وسلم رقبته للروس، وفي المقابل أبدى صلابة وتشنجا في تعامله مع الشعب السوري، وكل الوساطات التي قام بها أقرب حلفاء النظام في حينه.
فرق التفتيش الدولية لن تتردد في تفتيش قصور الرئيس والمقرات الأمنية والعسكرية، وربما تصادف مفقودين لم يتمكن ذووهم من زيارتهم منذ سنين. فرق التفتيش لا تنتهك السيادة الوطنية ولا تمس الكرامة الشخصية للرئيس المقاوم والممانع، ما هي إلا فرق فنية تقوم بالترفيه عن الشعب الجريح الذبيح، المخنوق بالكيماوي.
إعلام إيران وحزب الله المتخصص بالنقل عن الإعلام الإسرائيلي على مدار الساعة، أصيب بالعمى فجأة، ولم ينقل لنا الاحتفالات الإسرائيلية بالصفقة، ولا دور نتنياهو فيها؛ طبعا خدمة لنظام المقاومة.
وبحسب الباحث المتخصص بالإعلام الإسرائيلي صالح النعامي، فإن وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية تُجمع على أن نتنياهو هو الذي مارس ضغوطا كبيرة على أوباما لقبول المبادرة الروسية بتفكيك السلاح الكيماوي السوري، وعدم توجيه ضربة لنظام الأسد، لأن هذا يضمن عدم نقل “الكيماوي” لـ”أيد غير مسؤولة”، وفي الوقت نفسه يضمن عدم التأثير على موازين القوى بين الثوار والنظام، ما يضمن بقاء بشار الذي بات بقاؤه مصلحة استراتيجية عليا للصهاينة.
فصحيفة “هآرتس” قالت إن نتنياهو ضغط على أوباما لقبول المبادرة الروسية، لأنها ضمنت له التخلص من الكيماوي وإبقاء النظام وإبعاد خطر “الجهاديين”. والجنرال ج. سيبوني، من مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي اعتبر أن على إسرائيل والغرب بذل كل جهد للإبقاء على نظام الأسد. وقال مستشار نتنياهو: “نتقاسم مع الروس نفس المخاوف من إمكانية سيطرة الجهاديين على سورية بعد الأسد”.
ذلك وغيره ليس مهما، المهم هو بقاء الأسد. ومن دمر سورية، إنسانا وعمرانا، يهون عليه تدمير سلاح الدمار. ما حصل هو مكسب إسرائيلي خالص؛ فالسلاح الكيماوي ليس عامل تفوق النظام الوحيد، ومع ذلك لم يتمكن النظام من اقتحام الغوطة بعد ضربها بالكيماوي. هو يتفوق بالطيران والدروع والمدفعية والسلاح الثقيل وشبكة الاتصالات والقيادة والسيطرة، وفي مخازنه أحدث ما أنتجه الروس والإيرانيون، وبقاء الوضع الراهن يعني استمرار جرائمه واستمرار “الأمر الواقع”؛ فلا هو بقادر على القضاء على الثوار، ولا هم بقادرين على القضاء عليه.
الضربة العسكرية الأميركية المؤجلة وحدها القادرة على كسر الأمر الواقع. وإن كان النظام كسب وقتا مستقطعا، فهو غير قادر على تحقيق أهداف الفوز في المباراة. الحرب ستكون أسهل في حال ضمان أمن إسرائيل من السلاح الكيماوي، وسيتيح المفتشون “الدوليون” للقادة العسكريين الأميركيين فرصا للتخلص من كوابيس استهداف الإسرائيليين. ما تمكن منه الروس هو ضمان أمن الإسرائيليين في الحرب، ومنح النظام وقتا مستقطعا.
يفاخر الروس بأن ما فعلوه مع الكيماوي السوري سيكررونه مع النووي الإيراني. وهو أمر يستحق الاحتفال أيضا، إسرائيليا. ولا نامت أعين الممانعة!

هل تريد التعليق؟