مقالات

بيروت وغزة في سياق حرب الإقليم

تقول  حماس إنها حققت ضبطا للنفقات. يسخر منها محمد دحلان ويقول إن الوفر في وزارة الصحة يعود إلى أن الناس تموت من دون علاج ! سخرية دحلان  لا تلغي الوقائع التي تؤكد أن الذي يتسبب بموت الفلسطينيين هو الاحتلال والمجتمع الدولي المتواطئ معه. الموت ليس بسبب نقص الأدوية بل بسبب رصاص الغدر الذي  قتل مرافق إسماعيل هنية وأصاب نجله على مرأى من الحرس الرئاسي العتيد والمراقبين الدوليين. طبعا أولئك لا يرون المدافع الرشاشة التي تطلق على عينهم في حين لا تغرب عن أعينهم  الدولارات المهربة  إلى داخل فلسطين لشراء الدواء وغيره من ضرورات الحياة التي تمنع موت الفلسطيني , عيون الرضا تلك لم يسبق أن ضبطت دولارا مهربا خارج فلسطين مع أن عقارات دبي وغيرها تشهد على ثراء وافد من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

          من أطلق الرصاص على نجل هنية هو من أطلق الرصاص على أنجال ضابط المخابرات الفلسطينية وعلى أنصار حماس في رام الله, هذا الرصاص لعملاء جيش الاحتلال مقنّعين كانوا أم مكشوفين. ولا يوجد شعب في العالم بمستوى وعي وتعليم واطلاع الشعب الفلسطيني وهو يعلم جيدا ماذا يريد الاحتلال وعملاؤه. حماس قد توصف بأنها متشددة سياسيا أو متخلفة  لكنها انتخبت لأنها حركة نظيفة اليد دما ومالا, يدها الطويلة لم تمتد على دم فلسطيني ولا على مال فلسطيني.  حتى عندما ارتكبت بحق متظاهريها يوم دخلت السلطة مجزرة جامع فلسطين في غزة لم تثأر ,عندما قضى من قضى تعذيبا في أقبية الأمن الوقائي لم تثأر وعندما حوصرت حكومتها المنتخبة بمليشيات الرئاسة لم تثأر.

          المعركة في غزة هي معركة الإقليم ذاتها في بيروت معكوسة. هنية رئيس الوزراء المنتخب في أنزه وأرقى انتخابات شهدتها المنطقة في تاريخها لا يعترف به دوليا ولا إقليميا. المعترف به هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وهو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية التي لا يعلم أحد متى آخر انتخابات شهدتها هيئاتها , فياسر عبدربه مثلا عضو أعلى هيئة فيها اللجنة التنفيذية عن حزب فدا لا تأثير لحزبه في أي انتخابات تجري في أوساط الفلسطينين داخلا وشتاتا، مجلسا تشريعيا أم اتحادا طلابيا أم نقابة. 

ثمة تقارب وشَبه بين رئاسة عباس ورئاسة إميل لحود، فكلتاهما رئاسة الأمر الواقع المتشكل وفق موازين القوة. في لبنان موازين القوة سورية، وفي فلسطين إسرائيلية. اليوم  يحاول المجتمع الدولي ( أي أميركا ) والإقليم ( إي إسرائيل ) فرض أمر واقع بالقوة يلغي خيار الشعب الفلسطيني المعبرعنه بالانتخابات ويكرس زعامات معينة لا منتخبة، ومن يرفض عليه أن يحمي نفسه من رصاص مجهول الهوية. في لبنان الواقع معكوس, المجتمع الدولي  يرفض لحود  لكن الإقليم الفاعل هو سورية لا إسرائيل. يرفض السنيورة ويفرض لحود.

          ثمة فارق لمصلحة الوضع الفلسطيني, فقطبا المعادلة هنية وعباس ليسا بحدة قطبي المعادلة اللبنانية, فهنية يبحث عمن يقود حكومة وحدة وطنية ويسجل له أنه أول مسؤول عربي ينتخب ويتنازل طوعا عن السلطة, أما عباس فهو الآخر ليس متشبثا بالكرسي, وكثيرا ما يهدد جديا بالاستقالة والاعتكاف أو حزم حقائبه والمغادرة. المعادلة ليست بهذه البساطة وإلا لحلت في واحد من اللقاءات المديدة التي جمعت الرجلين. عقدة المعادلة الإقليمية هي الإسرائيلي, فهو الذي يحتل ويحاصر ويشرد و يقتل بيده أو بأيدي عملائه. مسؤولية الإسرائيلي, ومسؤولية العالم, لا تعفي الأطراف المحلية من مسؤولياتها. فالأخطاء في مراحل معينة من الصراع تنحدر إلى درك الخيانة.

هل تريد التعليق؟