منتدى دافوس على ضفاف البحر الميت يقفز عن الحقائق السياسية الصعبة تماما كما يقفز عن الحقائق الاقتصادية
يتنقل دافوس من قمم الجبال الباردة في منتجع دافوس السويسري إلى أسفل نقطة على ظهر الكوكب في الغور الدافئ على ضفاف البحر الميت. وهو يستعيد في انعقاده المزمن واللانهائي تلك اللحظات الخلاصية التي يشعر بها الأيدولوجيون، أيام فتوتهم، بأن العالم بانتظار إجابتهم ولم يبق غير التنفيذ السريع للقرارت.
أبدع الكاتب أحمد أبو خليل، في تغطيته لانعقاد المنتدى السابق في مجلة “المستور”، عندما تسلل إلى “جيب سويمة” ليكشف عمق الهوة بين عالم المؤتمرات والواقع اللصيق بها. وعلى الطريقة ذات في التحليل لنا أن نختبر المنتدى من خلال البحر الميت نفسه، الذي عجز رجل الأعمال والسياسة من تحويله إلى بحيرة سلام.
قبل وصول دافوس كان الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، وهو من هواة دافوس وضيوفه الدائمين، يبشر بالشرق الأوسط الجديد في منتصف التسعينات بعد توقيع أوسلو ووادي عربة. ويومها أعلن في قمة عمان الاقتصادية عن مشاريع إقليمية عملاقة لم يتحقق منها شيء.
يتقن بيريز أساليب رجال الأعمال في الدعاية التي تقوم على الإبهار بمعزل عن المضمون. فهو المبشر بالتعاون الاقتصادي صاحب القنبلة النووية الإسرائيلية الكفيلة بتدمير المنطقة. ولا يبعد مفاعل ديمونة عن البحر الميت أكثر من ساعتين.
ولو دقق المنتدون في منسوب البحر مقارنة بالسنوات الخالية لوجدوا أنه ينخفض في كل عام نحو 70 سنتم. والسبب ليس ارتفاع درجات الحرارة، وإنما تحويل دولة الاحتلال لمنابع نهر الأردن عام 1964. فالنهر المقدس كان يعوض البحر عما يفقده بفعل التبخر. وفي الأردن تشكلت جمعية لحماية نهر الأردن الذي تحول إلى ساقية طينية بفعل العدوان الإسرائيلي عليه.
دعائيا لا يبدو بيريز على حقيقته. ولا تلاحقه صور أطفال قانا الأولى الذين صب عليهم عناقيد الغضب. يبدو داعية سلام فاز بجائزة نوبل، ومفكرا مهموما بالبشرية كلها لا بقومه المضطهدين من ايام الهولوكوست. وهو يحذر من شرور حماس وحزب الله وإيران، وعلى العالم أن يصغي لتحذيره.
ولا يجد بيريز الضيف الدائم على “الاشتراكية الدولية” تعارضا بين تاريخه الاشتراكي في الكيبوتسات وحزب العمل والليبرالية الجديدة التي يجسدها دافوس. ومع أن التجربتين انهارتا إلا أن العجوز لا يمل من حضور المنتديات الاشتراكية والدافوسية.
وعلى ما يوجه من نقد للاستعراضية الدعائية في دافوس فإنها سلاح ذو حدين، وفي آخر دافوس كان المشهد الفارق هو خروج رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مغاضبا بيريز. وفي ظل حضور عدد من رجال الأعمال والسياسيين يمكن فضح دعايات العدو. وليس مثل البحر الميت ما يكشف زيف دعايته.
الحديث عن انسياب السلع والبشر والأموال يتحداه شاطئ البحر الميت الذي كانت القوارب تمخره حتى العهد العثماني لنقل البضائع من غزة على البحر المتوسط إلى الأردن. لا تستطيع الفنادق استخدام قوارب للترفيه فيه.
دافوس يقفز عن الحقائق السياسية الصعبة تماما كما يقفز عن الحقائق الاقتصادية. ما علاقتنا بالأزمة الاقتصادية العالمية؟ في غزة عادوا إلى البناء الطيني في ظل منع الإسمنت والحديد، وهما السلعتان اللتان قل الطلب عليهما في ظل انهيار أسعار العقارات. توجد أزمة سيولة ولا تستطيع خمسة بلايين من المساعدات أن تجد طريقها إلى غزة.
جميل أن تخصص جلسة عن “كلفة النزاعات” في المنطقة. هنا سيبدع بيريز في الحديث عن تأثر صناعات تقنية المعلومات بالنزاع. وسيتحدث عن “العباقرة” الإسرائيليين الذين تعطلوا عن العمل بسبب “إرهاب” حماس. أتمنى أن يُسأل عن كلفة حياة الطفل فراس أسعد المظلوم الذي قضى بسبب صعوبة “انسياب” المرضى إلى المستشفيات الإسرائيلية عالية التقانة!
هل تريد التعليق؟