ثمة وجوه جميلة لأميركا، على رغم الوجه القبيح للسياسة الخارجية الأميركية، والذي عرفته المنطقة طوال سنين. وأبرز وجوه أميركا الجميلة هو بيل غيتس، باني إمبرطورية مايكروسوفت. وهو ليس الوجه الوحيد؛ إذ ثمة أشخاص مثل مارتن لوثر كنغ، ومالكوم إكس، ومحمد علي كلاي وغيرهم من الشخصيات، سواء أكانت فكرية أم سياسية أم علمية أم فنية.
لا يوجد إنسان في العالم المتحضر لا يدين بالفضل لبيل غيتس، بما في ذلك ألد أعداء أميركا! فالقاعدة تستخدم الحاسوب وشبكة المعلوماتية، مثلها مثل وزارة الدفاع الأميركية. لقد قامت مايكروسوفت بفعل تاريخي عندما جعلت التقنية متاحة للجميع بأقل الأثمان.
صديق لي كان يعمل في مايكروسوفت استغرب، في ظل تصاعد دعوات مقاطعة البضائع الأميركية، كيف تدرج بضائع مايكروسوفت ضمن قوائم المقاطعة! وكيف يوجد لها بديل؟! إلى أن تبين له بعد قراءة المنشور الداعي إلى المقاطعة أن هذا البديل يتأتى من خلال النسخ غير الشرعي لبرامج مايكروسوفت!
قصة نجاح بيل غيتس تعكس أجمل ما في النموذج الأميركي الذي يطلق العنان لمبادرة الفرد، والتي قد تصنع بدورها المعجزات. التفكير العملي للفرد جعله يتجاوز حتى الجامعة التي يدرس فيها؛ كان بإمكانه أن يكمل دراسته الجامعية، لكنه اختار أن يترك الجامعة ويبدأ مسيرته العملية، لينتهز الفرصة الذهبية في الوقت المناسب، وليبني أكبر إمبرطورية مالية عرفها البشر.
الجانب الشخصي في بيل غيتس لا يقل أهمية عن الجانب المهني؛ فالنجاح الأسطوري الذي حققه جعله أكثر إنسانية في تعامله مع البشر، وبدلا من أن تنشغل زوجته بمتابعة صرعات الموضة وشراء القصور والمنتجعات، اختارت أن تتفرغ لمتابعة وقفية زوجها التي رصدت لأمراض الأطفال في إفريقيا، والتي تصل إلى سبعة عشر مليون دولار.
في إمبرطوريته لا يحتكر بيل غيتس النجاح، بل هو مدين لكل عامل فيها، وهو يختتم كتابه “طريق المستقبل” بالثناء على الجيل الجديد من مايكروسوفت، الذي يعوَل عليه كثيرا، وهو جيل، بنظره، أعطي فرصا لم تتح للمؤسسين، ومنهم بيل غيتس.
النجاح في أميركا ليس فرديا فحسب، فالدولة هي التي وفرت فرص النجاح، وهي التي تحمي المجتمع حتى من الناجحين! فكل هذا النجاح الأسطوري لم يمنع من مقاضاة مايكروسوفت بتهمة الاحتكار! لنتخيل أن شركة عربية حققت عُشر ما حققته مايكروسوفت، لاحتكرت البلاد والعباد، ولتهربت من الضرائب، ولأضافت نفوذا سياسيا إلى نفوذها المالي.
أميركا تحتاج بيل غيتس في ظل موجة الكراهية لها التي تجتاح العالم؛ فغيتس هو خير سفير لأميركا. ليس مطلوبا منه الدفاع أو تبني سياسات خارجية مرفوضة من أكثرية شعوب العالم، المطلوب منه أن يقدم نفسه كما هو، هرما من أهرامات القرن. ومثله يجعل الأميركيين يتساءلون “لماذا يحبوننا؟”، لا “لماذا يكرهوننا؟”.
هل تريد التعليق؟