مقالات

بين خلافة خامنئي وخلافة البغدادي

لعل أكثر ما يخدم دعوة “الخلافة”، هو إيران. إذ بتدخلها إلى درجة الغزو العسكري في بلدان خارج حدودها، كالعراق وسورية ولبنان وأفغانستان، تعطي مبررا للبغدادي لإلغاء الحدود، والتصرف بمنطق المسؤولية عن الرعية. والمفارقة أن من يستمع إلى نقد إيران وحلفائها لإعلان “الخلافة”، يحسب نفسه يستمع إلى إحدى الدول الإسكندنافية، لا دولة هي أول من أعلنت الخلافة في دستورها وفي ممارستها.
لنترك خلافة البغدادي التي هاجمها الجميع، بمن فيهم منظر التيار السلفي الجهادي أبو محمد المقدسي، ولنراجع خلافة “ولي أمر المسلمين الإمام خامنئي”. فهو بنص الدستور الإيراني أكثر من خليفة؛ هو ممثل الإمام الغائب صاحب الزمان، وسلطاته مفتوحة ومطلقة زمانا ومكانا. وهو يحكم أيضا بالشريعة، لكن وفق المذهب الشيعي الإثني عشري، ودستور الجمهورية الإسلامية مع اعترافه بحقوق الإقليات، بمن فيها اليهود، لا يعترف بمرجعية السنة الفقهية، على الرغم من أنهم يشكلون ربع سكان إيران.
الحديث هنا عن نصوص دستورية ومؤسسات، وليس عن توقعات. “الإمام السيد علي خامنئي” هو نصا، وبحسب موقعه الرسمي، “ولي أمر المسلمين”؛ وأمين عام حزب الله حسن نصرالله هو “وكيل” للقائد في لبنان، بحسب الموقع الرسمي للحزب، وكذا باقي الوكلاء في البحرين وأفغانستان وباكستان والعراق. وهو لا يكتفي بادعاء ذلك قولا؛ عمليا ماذا يفعل قاسم سليماني، مسؤول فيلق القدس في الحرس الثوري، في العراق اليوم؟ وماذا كان يفعل في سورية ولبنان؟ الحرس الثوري في إيران لا يعترف بحدود “سايكس-بيكو” منذ تأسس، وقد خاض الحرب العراقية-الإيرانية لثماني سنوات لأن الطريق إلى القدس تمر في بغداد. وهو بعد الهزيمة في تلك الحرب غيّر التكتيك ولم يغير العقيدة والاستراتيجية.
لندع النفوذ العسكري للحرس الثوري. لو ناقشنا الدستور الإيراني، لوجدنا في المادة العاشرة منه “في زمن غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بيد الفقيه العادل المتقي العالم بأمور زمانه، الشجاع الكفؤ في الإدارة والتدبير الذي يتولّى هذا المنصب”.
سلطة مطلقة لا يقيدها برلمان منتخب ولا رئيس منتخب، وكل مؤسسات الدولة ما هي إلا أدوات للمرشد يغيرها متى شاء. أما تطبيق الشريعة في إمارة الرقة وغيرها من مناطق نفوذ “الخلافة”، فيقابله تطبيق للشريعة في إيران وفق الرؤية الفقهية للمذهب الإثني عشري الذي لا يختلف مع السنة في تطبيق الحدود، وتحريم الخمور والبنوك، وغير ذلك.
الفارق الأهم بين خلافة خامنئي وخلافة البغدادي، أن الأولى تحظى باعتراف دولي وإقليمي، والأخيرة تحظى بحرب إقليمية ودولية. ومن يزعمون الحرص على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية، يتورطون في النفاق والازدواجية عندما يتغاضون عن خلافة خامنئي ويهاجمون خلافة البغدادي. وما حصل في العراق انقطاع مهم من  العرب السنة الذين فضلوا مشروع خلافة “عراقي” على مشروع خلافة إيراني. وفي ظل الاستقطاب الطائفي الذي تشهده المنطقة، فإن المشروعين يحظيان بتأييد لدى جمهور واسع؛ طبعا وفق حسابات طائفية ضيقة.

هل تريد التعليق؟