موضوع انتخاب أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي زكي سعد بني ارشيد ما يزال موضوعا شاغلا للصحافة منذ نصف عام. وفي “الغد” بالأمس أدخل تصنيف جديد في المفاهيم السياسية الأردنية “مناوئي بني ارشيد” وهو ما يذكر بـ”مناوئي توني بلير” المنشغلة بهم الصحافة البريطانية هذه الأيام. مع ملاحظة الفارق بين حزب العمال البريطاني وحزب جبهة العمل الإسلامي.
الانشغال البريطاني مفهوم؛ فمن يخلف بلير في قيادة الحزب سيكون له تأثير ليس على مستقبل الحزب وبريطانيا بل على مستقبل الكون. خصوصا في ظل الشراكة المستدامة بين بلير وبوش. أما جبهة العمل الإسلامي بمناصري رشيد ومناوئيه ومن بعدهم البقية الباقية من الأحزاب الأردنية موالية ومعارضة فهي من مسؤوليات محافظ العاصمة الذي ملّكه القانون تسعين في المائة من شؤونها.
باستثناء جبهة العمل الإسلامي تواجه الاحزاب الأردنية تحدي الانقراض. وهي لا تستطيع تسيير مظاهرة من ألف شخص ولو سمح لها محافظ العاصمة بذاك. بدورها قصرت جبهة العمل الإسلامي دورها في الحياة بتسيير مظاهرة، أو بتعبير أدق سمح لها بهذا الهامش بحسب الرضا الحكومي وسخونة الموضوع. وهي وعمودها الفقري “الإخوان المسلمون” يتم التعامل معهما رسمياً على مضض.
قبل قصة عزاء الزرقاوي وانتخاب زكي سعد بني ارشيد ماذا كان حال الحركة؟ هل كان سيسند لواحد من منتسبيها وظيفة عامة (محافظ العاصمة مثلا!) حتى لا نقول يعرض عليها تشكيل حكومة أو مشاركة فيها. منذ خروجها من حكومة مضر بدران مطلع التسعينيات غدت الحركة الإسلامية عبئا سياسيا وأمنيا يتعامل معها بحكم الأمر الواقع لا أكثر. وهو الأمر الذي أفقد السياسة في الأردن معناها المتعارف عليه في العالم. وصار السؤال البديهي إذا كان الحزب الأكبر يعامل بهذه الاستبعاد فكيف بالأحزاب الصغيرة الوليدة؟
مع ذلك ظلت الحركة الإسلامية بحكم حضورها على الأرض في صدارة الاهتمام السياسي والإعلامي، وما تغطيه الصحافة بالأمس إلا تعبير عن ذلك. المراجعة التي تشهدها الحركة مثيرة للقلق بقدر جلبها للاهتمام. فالصحافة تتحدث عن استقطاب وانقسام وصولا إلى التشطير. يرد الدكتور رحيل غرايبة المصنف صحافيا بـ” أبرز مناوئي ارشيد ” بقوله: “لا انشطار ولا ما يحزنون”، ويرى أن أطرافا تحاول الاستقواء بالإعلام لدعم وجهة نظرها داخليا في إطار المراجعة القائمة. وبنظره فإن تلك الأطراف قدمت “معلومات مضللة ” للإعلام.
ما لفت نظري أن أبرز مناوئي ارشيد الذي يفترض أن يصنف تلقائيا بأنه الأقرب للحكومة لم يجد على مدى سنين منذ تخرجه من الجامعة مؤسسة حكومية تقبل بتعيينه على رغم كفايته العملية والفكرية. فكتابه “الحريات العامة في الدولة الإسلامية”، وهو الأطروحة التي نال عليها درجة الدكتوراه من أفضل الكتب في هذا الباب. وهو بالمناسبة أمضى أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الإسلامية عقب أحداث جامعة اليرموك منتصف الثمانينات.
فلو افترضنا لغايات التحليل أن رحيل حل مكان ارشيد هل ستنحل عقدة الحركة الإسلامية؟ كلا. فجبهة العمل الإسلامي منذ تأسيسها توالى على قيادتها معتدلون، وهي امتداد لتاريخ الحركة الإسلامية القائم على الوسطية والاعتدال. ومع ذلك ظل حالها بالويل.
للحركة الإسلامية دور قد يكون الوحيد الذي تقوم به وهو تجميد أصول التيار الإسلامي. تستوعب أكبر عدد ممكن من الطاقات وتدخرهم ليوم طال انتظاره. قلة تصبر وتبقى والكثرة تضجر وتمضي. وما يحسد عليه أعضاء وقيادات الحركة الإسلامية صبرهم في ركض موضعي ينهك القوى ولا يتقدم خطوة. وربما التفسير الوحيد لذلك غيبي، الطمع بما عند الله. خصوصا في شهر رمضان. فالحركة لن تسعد حتى بدعوة إفطار من رئيس الحكومة سواء قادها زكي سعد أم رحيل الغرايبة، وأفضلهم حالا سالم الفلاحات الذي ذهب لأداء مناسك العمرة. وربما ينجح في الرحلة في تجنيد دعاة جدد في دعوة الإخوان التي يراد لها أن تبقى مجرد دعوة لا علاقة لها بالدولة.
هل تريد التعليق؟