مقالات

تحاشي فلسطين والتباهي بها انتخابيا

تميل أكثرية المرشحين إلى تحاشي فلسطين كمفردة من مفردات الدعاية الانتخابية، سواء بغيابها عن الشعار تماما أو استخدام عبارات فضفاضة لا تثير جدلا، من قبيل قداسة حق العودة، وقل أن تجد من يحدد موقفا صريحا من التطورات التي تمر بها القضية الفلسطينية من أوسلو إلى أنابوليس المزمع، فلا تجد من يقول مثلا “دعم أنابوليس سبيلا للدولة الفلسطينية ” أو شعار” عاصمتنا القدس لا لأنابوليس”. فالمرشحون  يعتقدون أن الموقف السياسي ليس أولوية للناخبين لكنه قد يلعب دورا سلبيا. فليس أسوأ من إطلاق كلمة “طبيع” على مرشح.

 تعتمد جبهة العمل الإسلامي خطابا  دينيا لم يتغير وما تزال له جاذبيته، فلا داعي للدخول في تفاصيل السياسة بما أن فلسطين ” وقف إسلامي”. وتتباهى الجبهة ببطولات حماس وشهدائها، ويفيدها انتخابيا، بقدر ما يستهدف مرشحوها على الخلفية ذاتها، فمع أن قرار الحسم في غزة لم يكن للحركة الإسلامية خارج غزة دور فيه إلا أنها تجني غنمه وتدفع غرمه.

ليس هذا فقط، بل إن مرشحين يستخدمون التفاصيل التنظيمية بين حماس والإخوان لتشويه صورة مرشح إخواني باعتباره “معارضا لحماس”، وتكاد تنقلب على ظهرك من الضحك عندما يصدر الاتهام ممن بنى ثروة من تصفيح السيارات لدى العدو الإسرائيلي وبيعها للاميركان في العراق.

يظل الاستخدام الأسوأ للموضوع الفلسطيني في اللعب على الغرائز وصناعة إحساس بالغبن والمظلومية لدى شريحة واسعة من المواطنين، فهذه الصناعة سهلة ومدمرة في آن، فالتحريض هو فاتحة العنف. وللأسف فإن صناعة التحريض تجد سوقا في الموسم الانتخابي تماما كما سوق السيارات المصفحة أيام الحروب. وعلى قلة محترفي تلك الصناعة يبدو دورهم  مقدمة لتدمير وخراب قد يصل إلى مجلس النواب المقبل.

يقال كلام كثير في بناء دولة المواطنين والمؤسسات والعدالة والقانون والتنمية والمساواة، كلام ضروري ومطلوب عندما يتعامل مع المواطنين بشكل جامع  لا بتقسيمهم على أسس عنصرية  ظالمين ومظلومين.

كنت في دمشق وقابلت قادة حركة حماس وشاركوني القناعة بخطورة استخدام القضية الفلسطينية لشق الوحدة الوطنية. وهم يؤكدون أنهم لم يتدخلوا في السياسة الداخلية لأي بلد ولن يتدخلوا، لكنهم يدركون أن العدو لن يمل من محاولات إشعال الفتن في فلسطين وخارجها.

تظهر استطلاعات الرأي أن السياسة تغيب لصالح العشيرة، أي أن العقل وخيارات الإنسان الحر التي يقررها بناء على الأفكار والبرامج  تغيب لصالح الغرائز والعلاقات الموروثة غير المكتسبة. ونتيجة لذلك تبدو الثقة في أداء مجلس النواب منهارة، ومع ذلك يصر الناس على اعتماد السلوكيات ذاتها في الانتخابات. تماما مثل المدمن على التدخين  يستمتع به وهو يعلم مدى الضرر الذي يفتك به، وعندما تغيب السياسية تغيب معها كل القيم السامية بما فيها القضية الفلسطينية، وحقوق الإنسان والإصلاح والعدالة. وإن حضرت فتستخدم بشكل ينحط بها مادة للتحرض والشرذمة.

بُذِل جهد هائل لإسقاط المجتمع في هذا الدرك. والنهوض به يحتاج إلى جهود أكبر، ليست جهودا تبذلها حكومات، بقدر ما يبذلها أفراد. يستطيع كل واحد أن يسأل نفسه لمن أصوت؟ تعديل السلوك الانتخابي على مساوئ  قانون الصوت الواحد المجزوء  يظل المدخل الأساسي للنهوض من القاع. وإلا فإن القاع من دونه قاع بلا قرار.

هل تريد التعليق؟