سنغرق في كثير من التفاصيل حول ما نشرته صحيفة الواشنطن بوست عن تعاقد الخارجية الأميركية مع شركة “بلاك ووتر” بقيمة 84 مليون دولار سنويّاً لتقديم خدمات أمنية في الضفة الغربية المحتلة، لمدة خمس سنوات. ونقلت الصحيفة عن الناطق باسم الخارجية الأميركية مارك تونر قوله: “إن العقد يتضمن توفير الحماية الأمنية في الضفة الغربية، والخدمات التي تقدمها القنصلية الأميركية في القدس”. وأشار تونر إلى أن العقد الأساس، الذي تم توقيعه في 3 كانون الثاني (يناير) الحالي، هو لمدة سنة واحدة مع احتمال أربع سنوات، وخيار التجديد سنويّاً.
بدلا من النفي، فلم نعتد كذبا على الواشنطن بوست التي أسقطت الرئيس نيكسون، يمكن أن يعقد ياسر عبدربه مؤتمرا صحافيا ليثبت لنا أن الشركات الأمنية الأميركية ليست عصابات مرتزقة ترتكب جرائم حرب، وأنها خطوة باتجاه طلب حماية دولية من الاحتلال، وأن أولئك الأبطال سيقومون بدور تاريخي في حماية شعب فلسطين. وفي المؤتمر سيبرز عددا من الإنجازات التي حققتها حكومة سلام فياض في تزفيت عدد من الشوارع، وافتتاح حدائق عامة، وريادة القطاع الخاص الفلسطيني في وضع أسس الدولة المزمعة من خلال افتتاح مطعم إيطالي في رام الله ومصنع جوارب في نابلس. وفي المؤتمر سنسمع هجاء وتشنيعا بحق “إمارة الظلام” في غزة، ومحور التشيع والإرهاب والقاعدة، وسيضاف محمد دحلان إلى الإمارة أو يتهم على الأقل بالإسهام في تأسيسها.
لم يكن الإعلام قد تداول خبر عقد شركة إكس (بلاك ووتر سابقا) في الضفة الغربية عندما التقينا ضمن مجموعة من الكتّاب الأردنيين مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ولكن عندما سألناه عن الضفة الغربية، قال إن حماس ستفاجئ كثيرين، لم يكشف عن طبيعة المفاجأة، وسرد الفظاعات التي ترتكبتها أجهزة الأمن التي أشرف على تأسيسها الجنرال دايتون والتي ما تزال تحتفظ بـ800 معتقل بينهم نساء. ذكَر بأن الوضع يشبه وضع حماس في غزة العام 1996، التي تلقت يومها ضربة قاسية وتمكنت من استعادة قوتها بسرعة ومضاعفتها.
ليست القضية صراع سلطة بين فتح وحماس، القضية هي صراع بين مشروع صهيوني ومشروع مقاومة، وحماس نفسها ستنتهي عندما تتحول إلى سلطة. وقيادة حماس تدرك أنها في “مأزق”. وإدامة الحياة في بلد محتل هو مسؤولية سلطة الاحتلال، والمقاومة تتفرغ للمقاومة لا لتأمين رواتب وغذاء ودواء. وحماس اليوم تعيش مأزق عرفات عندما حاول الجمع بين السلطة والمقاومة بعد انتفاضة الأقصى، فخرج من السلطة أولا ثم من الحياة.
مصلحة حماس هي التخلص من سلطة غزة، ومصلحة فتح التخلص من السلطة في الضفة، وليتحمل المجتمع الدولي مسؤولية السكان تحت الاحتلال، وليعرف الاحتلال الإسرائيلي كما هو احتلال لا نصف احتلال ولا شبه احتلال. لا يكون ذلك بافتعال حرب مدمرة مع الإسرائيليين، وإنما بمقاومة محسوبة مسنودة ببرنامج سياسي. صحيح أن حماس تحافظ على التهدئة، لكنها ومنذ حرب غزة، وكما كشفت وثائق ويكيليكس، تمكنت من إدخال صواريخ قادرة على ضرب تل أبيب. وفي استشهاد المبحوح دليل دام دامغ على الجدية في تطوير القدرات العسكرية للحركة.
لا تتوهم قيادة الحركة في قدراتها العسكرية، ولا تسترخص دماء الناس، ويقول مشعل بوضوح إن الحلقة الأضعف بالنسبة لإسرائيل هي حماس مقارنة بحزب الله أو إيران. لكن فرق بين تهيئة المجتمع للمقاومة، وبناء قدرات المقاومة من خلال التسليح والتدريب. وقد نفذت الحركة وغيرها من الفصائل العديد من العمليات النوعية منذ تولي حماس السلطة قبل وبعد حرب غزة. وفي أسر شاليط والاحتفاظ به إلى اليوم نموذج يرد على أي مشكك.
ببساطة، المشروع الوطني الفلسطيني يحتاج إلى تدريبات تجريها كتائب القسام والأقصى وسرايا الجهاد، وقطعا لا تحتاج إلى عقود تدريب بلاك ووتر، أو أكس أو بأي اسم تسمت. وبانتظار مفاجآت سارة.
هل تريد التعليق؟