لا ريب أن لتنظيم القاعدة وجود في لبنان، ولن يكون هذا البلد الاستثناء الوحيد عالميا. فالتنظيم ضرب في لندن ومدريد وواشنطن، ولن يكون وجوده في بلد مثل لبنان مستغربا. لكن من يسمع الأخبار في لبنان يلحظ وجود رغبة في تضخيم وجود “القاعدة” في لبنان، وإلباسها امتدادا شعبيا ليس لها! ورغبة كهذه ليست بريئة، ولها أهداف تتعلق بتضليل التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كما ضرْب السنة والفلسطينيين.
استهداف الجيش اللبناني بـ”فتاشات”، والحديث عن تتبع مكالمة التهديد الصادرة من مخيم عين الحلوة، خبران لا يمكن تمريرهما؛ فالأجهزة الأمنية لم تظهر كفاءتها في الرصد والتتبع في اغتيالات كبرى، مثل اغتيال الرئيس الحريري والصحافيين سمير قصير وجبران تويني وغيرهم، لكن اليوم تتبدى مهارة هذه الأجهزة في تتبع مصدر “فتاشات” يزهد الأطفال في إطلاقها في الأعياد، مفرقعات لا تليق في بلد تم حشو السيارة التي استهدفت موكب الرئيس الحريري بأكثر من طن من المتفجرات شديدة الانفجار!
“القاعدة” لا تتورع عن استهداف رئيس وزراء أو ثكنة عسكرية في لبنان وغيره، لكنها تمتلك جرأة تبني أعمالها، وهي قادرة على تأمين كم من المتفجرات يهز عاصمة آمنة مثل لندن، فكيف ببلد مثل لبنان؟
ربما كانت المرة الوحيدة التي ينفي فيها الزرقاوي مسؤوليته عن عملية هي عملية اغتيال الرئيس الحريري، وقد جاء تقرير المحقق الألماني ديتليف ميليس ليكشف فبركة قصة اتهام “القاعدة”؛ ومع ذلك، وقبل أيام، سربت صحيفة الديار المحسوبة على الرئيس إميل لحود خبرا يتهم “القاعدة” مجددا باغتيال الحريري، ويتحدث عن تفخيخ السيارة في مخيم عين الحلوة! وبالمناسبة، فإن هذا المخيم محاصر من قبل الجيش اللبناني ومخابراته على مدار الساعة!
صحيح أن ثمة عشرات من شباب المخيمات ممن ذهبوا إلى العراق، لكن هؤلاء لم يكونوا وحدهم، بل ذهب أيضا أقرانهم من مناطق لبنانية أخرى، وخصوصا من الأرياف السنية. كما أن أبناء المخيمات هم الأقل عددا في العراق مقارنة بالسعوديين واليمنيين والسوريين ودول شمال إفريقيا، وعندما يريدون نقل تجربتهم إلى لبنان فدونهم إسرائيل، ولا داعي إلى استهداف الجيش اللبناني بطريقة صبيانية، والاتصال من هاتف في مخيم عين الحلوة! أفلم يكن من الممكن إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني، أو الاتصال من هاتف عمومي من صيدا؟!
التسريبات من لبنان تذكر بقصة اسماعيل الخطيب الذي قضى تحت التعذيب في قضية أبناء قرية مجدل عنجر؛ فمعارف الخطيب لا ينكرون أنه كان قد ذهب إلى العراق، وربما شكل خط إمداد للمقاتلين من لبنان، لكنه اعتقل مع آخرين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، واتهموا باستهداف عشرين هدفا من بينها السفارة الإيطالية. وبعد أن قضى تحت التعذيب، يؤكد الإيطاليون أنفسهم أن القصة كانت مفبركة، ولا يزال السؤال مفتوحا: هل صفي الخطيب لطمس معلومات لا يراد لها أن تظهر، أم قتل بالخطأ من جراء التعذيب لإجباره على رواية الحكاية المفبركة؟!
تعقيدات الوضع الطائفي في لبنان قد تتطلب اختراع “قاعدة” تحمل وزر كل الخطايا التي لا يراد أن يتحملها الرئيس إميل لحود والبطانة الأمنية، والحديث عن مستودعات سلاح “القاعدة” يؤجل الحديث عن سلاح حزب الله.
هل تريد التعليق؟