مقالات

تعليقات القراء

    قبل الصحافة الإلكترونية التي فتحت آفاقا لا حدود لها في التفاعل بين القارئ والكاتب ظلت ردود القراء وتعليقاتهم تحظى بأهمية كبيرة  في رسائل إلى المحرر. هذا في الصحافة المحترفة، أما في الصحافة البدائية فـ”بريد القراء” شتيمة تطلق على المقال الرديء. ومن يقرأ ” الفورن بولسي” أبرز مجلات الفكر السياسي الأميركية يبهر بمستوى السجال في الصفحات الأولى فيها بين القراء والكتاب.

         في سبيل التفاعل الخلاق، اتجهت للتدوين. وهو خلافا  للصحيفة لا مسؤولية فيه لأحد غير  صاحب التعليق. وفي المدونة وجدت تعليقات فتحت أمامي آفاقا لا تنفتح بغيرها، إلا أن الانشغال بالعمل الصحافي اليومي يحول دون أن تكون مدونا محترفا.

       ولعل أسوأ ما يمر به الصحافي كاتبا أم مراسلا أن يرى نفسه محشورا في غرفة مظلمة لا يرى ردود أفعال على ما يكتب. ليس استحسانا، فهو ليس مطربا ينتظر التصفيق، هو يرضي مغبة الناس –على رأي الجواهري – أن “يعملوا العقل ميدانا ومضطربا” . فهو بحاجة ماسة إلى من يختلف معه تماما كما هو بحاجة إلى أن يقنع الأكثرية بصحة وجهة نظره.  وفي ميدان العقل لا يوجد مهزوم. فالكل ساع إلى المعرفة والحكمة ضالة من وجدها أحق بها.

        ذلك كله، لا يقلل من أهمية الرداءة التي يتسم بها بعض المتفاعلين.  فتجد بعضهم من نوعية “راغب الصحافة” غير القادر على احترافها. فهو  يتمنى أن يصبح صحافيا، لكن قدراته تحول دون ذلك، وحظه العاثر جعل منه رجل أعمال يجني الملايين لكنه غير قادر على كتابة جملة مفيدة. فتراه – بعجرفة- يسفُه كاتبا محترما ويقرر له كيف يكتب وكيف يفكر. وآخر عاطل عن العمل أو يعمل في مؤسسة تتيح له “تقطيع” وقت فراغه المديد في متابعة مواقع التسلية ومنها الصحف للتنظير على القراء والكتاب. وثالث حزبي متقاعد يعتقد أن ما فشل في تحقيقه في سني النضال المديدة يمكن أن ينجح فيه بنقرات على لوحة المفاتيح. وهو في الثورة المعرفية الإلكترونية يصل إلى أولي الألباب الذين لم يتنبهوا لوجوده أيام النضال، ورابع وخامس و..

     ليس فوقية أن يقسم الناس كاتبا وقارئا، فالكاتب كالطباخ في المطعم يقدم للزبائن طعاما شعبيا رخيصا وآخر يقدم طعاما فاخرا غاليا ولكل مذاق، وفي مجمل الأحوال لا يدخل الزبون إلى المطعم ويقدم الطعام. فالمرحوم إدوارد سعيد على سبيل المثال كان من أهم كتاب صحيفة الحياة اللندنية لكنه لم يكن أكثرهم مقروئية. ولم تكن الصحيفة تتيح لقارئ هاو فرصة الرد والتعقيب عليه.

      وبحسب خبراء الاستطلاع فإن من أصعب أنواعه عمل “بروفايل” لصحيفة واحدة، بمعنى من هو أكثر كتابها تأثيرا ومقروئية وأكثر أبوابها ترفيها .. فمثلا تناول كاتب لمواضيع ساخرة يجعله أكثر مقروئية من كاتب جاد، وتناول كاتب لمواضيع خدمية يجعله أكثر مقروئية ممن تناول مواضيع سياسية. وفرق كبير بين حجم القراءة لكاتب والتأثير.

      ليست دعوة إلى نبذ القراءة، فالزبون دائما على حق. هي دعوة لبناء شراكة مع القارئ على أسس صحيحة. ودور الكاتب أن يصل إلى قارئه ويبحث عنه لا العكس. فعلم استطلاع الرأي بدأ من خلال إعلان وضعه غالوب في الصحيفة يسأل من هو الرئيس المقبل، فجاءت إلى بريده آلاف الرسائل، وبعد فرزها أعلن عن المرشح المتوقع فوزه وبعد إعلان النتائج تبين أنه المرشح الخاسر! تبين أن استطلاع الرأي يتطلب أن تذهب للمستطلع لا أن تنتظر رسائله، والأهم من ذلك العينة الممثلة. فكل المواقع الإلكترونية المحترمة تقول لك إن استطلاعها غير علمي، لأنه يخص من يملكون حاسوبا وخط نت ولديهم الوقت والرغبة و”القدرة” على التصويت والتعليق.

حسنا، المقال استطلاع غير علمي لتعليقات القراء ! شاركها

هل تريد التعليق؟