هل وجد مخططو تفجيرات لندن وقتا لمتابعة فيض الاستنكارات لفعلتهم ؟ هل هزتهم مشاعر التعاطف والتضامن مع الضحايا؟ بالطبع لا. سيكونون معنيين بترتيبات الانسحاب والاختفاء، والتحضير لصولة أخرى. أما الوعيد بأوخم العواقب، فلا قيمة له عند من غدا الموت مطلبا تغذ له الخطى.
لنتذكر ما قاله رمزي بن الشيبة، أبرز مخططي الحادي عشر من أيلول، عندما شاهد الطائرة الثانية تهوي باتجاه البرج الثاني: “يا رب سدد.. يا رب سدد!”، وفاضت دموعه ليس حزنا على الضحايا، ولا حزنا على رفاقه الذين كانوا أول من قضى، بل حزنا على نفسه لأنه لم يكن معهم فيظفر بما ظفروا.
هؤلاء هم من فجروا في لندن، وقبلها في نيويورك وواشنطن وبالي ومدريد وطابا وبغداد… ومن الواضح أن أدوات مواجهتهم الراهنة لا تزيدهم إلا انتشارا. فالأميركيون تمكنوا من اعتقال رمزي، وربما يحققون أمنيته ويلحقونه بمن قضى من رفاقه بمحكمة عسكرية سرية، لكنهم كم رمزي أوجدوا في حربهم المفتوحة؟! الإجابة ستحدد مدى نجاح بوش. فإذا زاد عدد من يفكرون بطريقة رمزي فإن الحرب تكون فاشلة، وإن نقصوا تكون قد نجحت.
أرجح أن الحرب فشلت، لأن من يفكرون بطريقة رمزي في ازدياد، والواقع شاهد لا يكذب. فالنجاح في ضرب بنية “القاعدة” التنظيمية وازاه نجاح في نشر برامجها وأفكارها، الأمر الذي يجعل العالم أقل أمنا مما كان عليه قبل الحادي عشر من أيلول، ويحقق نظرية ابن لادن “لن تنعموا بالأمن ما لم ننعم به”.
في كتابه “هوبره إمبريالية”، يرى مايكل شورز (الكتاب نشر دون اسم مؤلف، لأنه أصدره وهو على رأس عمله في السي آي إيه) أن ابن لادن يعني ما يقول، وقد نفذ جميع تهديداته التي توعد بها في زهاء خمس عشرة دولة. وهو يرى أن المشكلة سياسية ابتداء، وتتلخص في شعور المسلمين بالظلم وانحياز الغرب للظالم في جملة قضايا عادلة: فلسطين، والعراق، والشيشان، وكشمير. من يقول هذا الكلام هو الشخص الذي كان مكلفا بملف القاعدة في وكالة الاستخبارات الأميركية، أي المسؤول المفوض بقتل أو اعتقال ابن لادن!
بعد كتاب شورز، تساءل ابن لادن في خطابه عشية الانتخابات الأميركية: “لماذا لا نضرب السويد؟”؛ فالسويد بلد غربي أكثر من أميركا، وأبعد ما يكون عن التدين قياسا بها، ولا يتخذ موقفا مساندا لقضايا العرب والمسلمين، لكنه في المقابل لا يتدخل في شؤونهم، ولا ينحاز إلى أعدائهم، وليس له قوات في بلد مسلم.
المسألة ليست بهذه البساطة؛ فأميركا لم ترفع راية بيضاء للاتحاد السوفيتي حتى ترفعها للقاعدة. لكن لا بد من التفكير بحل سياسي يوازي الحلول العسكرية والأمنية. فاستهداف لندن ليس لأنها بلد غير مسلم، بل لأن لديها قواتا تحارب المسلمين في العراق وأفغانستان، هكذا يفكر أنصار القاعدة، ويتناسون أن لندن كانت مثل الحبشة التي هاجر إليها المسلمون في هجرتهم الأولى، عندما قال لهم النبي: “إن فيها ملكا لا يُظلم لديه إنسان”.
على القاعدة أن تتذكر أن الحكومة الإسرائيلية تحتج على وجود قادة مؤسسين لحركة حماس في لندن، وأن الحكومة السعودية تحتج كذلك على وجود سعد الفقيه وغيره، والحكومة المصرية تحتج على وجود هاني السباعي، والحكومة الجزائرية تحتج على وجود قادة الإنقاذ، والحكومة التونسية على وجود قادة النهضة! لندن باختصار كانت توصف بعاصمة الإرهابيين من قبل الحكومات العربية.
فوق ذلك، لا يمكن المقارنة بين التعسف الذي مارسته القوانين الأميركية بحق المسلمين بعد الحادي عشر من أيلول والقوانين البريطانية المنصفة بحقهم. وحتى لو وقعت أخطاء في سياسة بريطانيا الخارجية، فهل يمكن التغاضي عن مواقف الشعب البريطاني التي عبر عنها بمسيرته المليونية ضد الحرب على العراق.
لكن للأسف، لم ير المفجرون تلك المسيرة، تماما كما لم ترها حكومة توني بلير!
هل تريد التعليق؟