مقالات

تفعيل التعديل يبني جسور الثقة

اللحظة التاريخية تعني الركوب على سرج الحصان، من يقفز أمام الحصان أو وراءه سيان. لم نكن نحلم بالمطالبة بتعديلات دستورية لولا الربيع العربي. والتعديلات كانت مفاجئة، فالأداء الرسمي كان يعطي رسائل سلبية، سواء في 24 آذار أم هروب خالد شاهين أم استقالة طاهر العدوان وصولا إلى موقعة النخيل. كما أن لجنة التعديلات الدستورية غابت عنها رموز معارضة وشخصيات نقدية، واقتصرت على قانونيين وشخصيات سياسية محافظة.
في التعديلات ما عجزنا عن تحقيقه في ربيع الديمقراطية الأردنية في العام 1989. يومها، ورغم نص الميثاق الوطني على المحكمة الدستورية، لم يتمكن مجلس النواب بكل عنفوانه من تعديل الدستور.
التعديلات كانت مفاجأة سارة، وهي تمثل عودة إلى روح دستور 1952 من خلال إعادة الاعتبار للركن النيابي في النظام. فلم يعد ممكنا أن تعيش البلاد بلا مجلس نواب؛ إنْ حل المجلس حلت الحكومة التي تحله وتجرى انتخابات مباشرة. ولم تعد الانتخابات عرضة للتزوير والتدخل في ظل إشراف هيئة مستقلة عليها. وهذا هو جوهر التعديلات.
يوما طالب ليث شبيلات في مجلس 1989 القوى السياسية ببرنامج النقطة الواحدة، وهو التعديلات الدستورية التي تحمي مجلس النواب، ولم يسمع له. ولو سمع له في حينها لما سمع عبداللطيف عربيات رئيس مجلس النواب بحل المجلس من الإذاعة، ولما شرّعت السلطة التنفيذية قانون الصوت الواحد الذي دمر الحياة السياسية وأوصلنا إلى هذا الحضيض.
المؤسف أن المسؤولين الذين يقسمون على احترام الدستور لا يقرؤون الدستور، والمعارضة التي تطالب باحترامه لا تقرؤه أيضا. وفي تاريخ الأردن ألّف كتاب واحد عن الدستور الأردني للدكتور عادل الحياري، وهو كالدستور لا تقرؤه الحكومة ولا المعارضة. ولو فُعّل الدستور الأردني، حتى بدون التعديلات، لكان كافيا، فالعبرة في التطبيق لا في النصوص. في صدر الدستور “نظام الحكم نيابي ملكي”، فلماذا ينص على حكومة برلمانية؟ أيهما أشمل “النظام” أم “الحكومة”، ولماذا قدمت “نيابي” على “ملكي” في دستور 1952 عكس ما جاء في دستور 1946؟
لا أفهم كيف يمكن أن يفرض رئيس على المجلس من خارج أكثريته. إن أي رئيس حكومة يمثل حزب الأكثرية. هذا ما حصل عندما طبقنا الدستور في حكومة سليمان النابلسي العام 1956، وحكومة مضر بدران العام 1989، فكلاهما لم يفز شخصيا في انتخابات، إلا أنهما عبرا عن رأي الأكثرية. ولو أراد الإخوان تشكيل الحكومة العام 1989 لشكلوها، ولكنهم اختاروا أن يطبقوا برنامجهم، وهو ما التزمت به الحكومة.
هذا هو جوهر الدستور. وعندما تزور الانتخابات أو تتعدى الحكومة على دور مجلس الأمة، فإن ذلك اعتداء بقوة الأمر الواقع على الدستور. فوق ذلك، فإن الدساتير وثائق تعاقدية لا يحق لطرف تغييرها وحده، ولذا فإن أي تعديلات من خارج مجلس النواب هي اعتداءات على الدستور. وهو ما ينطبق على قانون الانتخاب، وبالمناسبة هو جزء من الدستور الأميركي. وتخفيض سن المرشح إلى 25 سنة مؤشر على أن قوانين الانتخابات جزء من التعاقدات الدستورية التي لا يجوز العبث بها. فقانون الانتخاب الذي أفرز دستور 1946 ودستور 1952 لا يجوز العبث به مع كل انتخابات. من العام 1993 والقانون الانتخابي يفصل وفق مزاج السلطة التنفيذية، ناهيك عن إجراء الانتخابات بتدخل سافر.
يمكن الاستمرار في هجاء الحياة السياسية الأردنية، وذلك لن يفيد. ما يفيد هو طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة عنوانها التعديلات الدستورية، وتفعيل الدستور لا التحايل عليه. وهو ما يبني الثقة بين الدولة والمجتمع. ومن المؤسف أن تتحالف المعارضة مع القوى الرجعية في الدولة لإجهاض التعديلات ووضع العصا في الدواليب. هذا التحالف سيفوت اللحظة التاريخية التي لا تتكرر مجددا.

هل تريد التعليق؟