من المكتسبات التاريخية في الصراع العربي الإسرائيلي، ما اتفق عليه في عمان، بإجماع فصائلي، حول قانون انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني. وفي ظل الضجيج السياسي وارتباك المعارضة والحكومة في التعامل مع القضية الفلسطينية، لم يصدر أي تفاعل أردني مع الطرح الذي يخدم كثيرا الديمقراطية في الأردن، ويجسد عمليا حق العودة.
الطرف الفلسطيني؛ فتح وحماس، في موقف ضعف أمام الدولة الأردنية، ولذا يتحدث بأدب جم وبحساسية بالغة، وينتظر كيف سيقرر الأردن الرسمي التعامل مع المكتسب التاريخي بأن يمثل الشعب الفلسطيني بانتخابات ما أمكن. كنت أتوقع أن يبادر وزير الداخلية الأردني إلى عقد مؤتمر صحفي يقدم فيه برنامجا لآليات انتخاب الفلسطينيين في الأردن، وهم يشكلون نحو 10 % (لا أحد يعرف التعداد الحقيقي، حقيقة!) من الفلسطينيين، مقابل 43 % من الأردنيين من أصول فلسطينية.
لا خلاف على هؤلاء؛ توجد مخاوف هستيرية من تجنيسهم، وهذه لحظة تاريخية ليقال إن هؤلاء قرروا العودة سياسيا إلى أن تتحقق مطالبهم بالعودة جسديا. ومقابل العمل المبادر والسريع مع هؤلاء، نحتاج حوارا متأنيا وعميقا مع البقية. وهذا لا يقلل ولا ينزع شيئا من حقوق مواطنتهم، ويختارون كما في كل الدول التي انشقت إما أن يمارسوا حقوقهم السياسية في الأردن أو في فلسطين، أو تبدع صيغ ثالثة تعبر عن الهوية المركبة المتولدة من وحدة الشعبين قبل 62 عاما.
في غضون ذلك، لا يحق لكائن من كان أن يشرط على مواطن مكان مواطنته. فالحركة الإسلامية، والمعارضة عموما، قيل لها (على لسان بعض “النخب”) بعد أحداث المفرق، إن تلك مناطق ليست لها. وبعد مهرجانها الإصلاحي في مخيم الحسين، قيل لها أيضا إن هذا ليس مكانك! باختصار، هم يريدون من الحركة الإسلامية أن تظل تتضامن مع حصار غزة من حرم مجمع النقابات المهنية، وتعبر عن حراكها الإصلاحي من ساحة النخيل!
في الجوهر، جرت خلال العقدين الماضيين محاولات منهجية لأخونة الأردنيين من أصل فلسطيني وفلسطنة الإخوان، وقطعت شوطا بعيدا. في نقاشات اللجان “السرية” المختصة واستطلاعاتها لا يتم التعامل مع كتلة بشرية محترمة. ونتائج الحوارات السرية هي ما شهدناه من قوانين انتخابات رديئة وانتخابات مزورة، نقضت الركن الأول من الدستور، وهو النيابة.
إن الحركة الإسلامية، تاريخيا، اعتمدت على الشرق أردنيين في قيادتها. وفي انتخابات العام 1989، كان الصف الأول (محمد عبدالرحمن خليفة، عبداللطيف عربيات، أحمد قطيش، يوسف العظم، عبدالله العكايلة، أحمد الكوفحي..) شرق أردنيين. ولم يعد سرا أن الدولة عملت منهجيا لحصار وتحجيم القيادات الشرق أردنية رغبا ورهبا.
بالنتيجة، وبسذاجة الحركة الإسلامية، تم تعطيل كتلة واسعة من الأردنيين من أصول فلسطينية، إلى درجة أن “ورقة” سياسية قدمها بعض شباب الإخوان من أصول فلسطينية اقترحت “تنازل الفلسطيني عن حقوقه السياسية في النظام السياسي الأردني؛ البرلمان والحكومة، ترشحا وانتخابا”، مقابل “التمثيل السياسي الكامل في المجالس السياسية التشريعية والوطنية والرئاسية الفلسطينية”. حاورت معدي الورقة، واختلفت معهم كثيرا، لكن ما أعجبني هو فائض النوايا الحسنة، والاعتراف بوجود مشكلة، وهي قابلة للحل.
هل تريد التعليق؟