مقالات

توكل طه كرمان وأدونيس

كان متوقعا أن يكرم العالم الثوار العرب في ربيعهم، الذي قدم أول مساهمة عربية للحضارة الإنسانية في العصر الحديث. السؤال كان مَن هو الشخص الذي يجسد تلك الثورة؟ جائزة نوبل لا تمنح لشهداء، ولذا لم تمنح لمحمد البوعزيزي أو حمزة الخطيب. وتوجهت الأنظار للثورات الناجحة في تونس ومصر، وفيهما عشرات من الأسماء البراقة التي تستحق التكريم، خصوصا مَن لهم حضور عالمي كالمدون وائل غنيم. وفي كل عام يتردد اسم الشاعر السوري أدونيس ولا يفوز. هذا العام كنت سأحزن لو فاز، نظرا لموقفه من الثورة السورية.
شخصيا كنت أحب أن تمنح الجائزة للمدونة طل الملوحي، إذ قد يسهم تكريمها في إنهاء مأساتها، فقد يفرج عنها إن كانت معتقلة، وقد يعلن النظام عن انتحارها في زنزانتها أو وفاتها بجلطة مفاجئة. فوز الثائرة اليمنية توكل طه كرمان كان مفاجئا. فالبرانويا تجاه الغرب تجعلنا نشك كثيرا في أن يعترف، فضلا في أن يكرم فتاة محجبة وأختا مسلمة، وقيادية (عضو مجلس شورى) في التجمع اليمني للإصلاح.
فأبناء جلدتنا من قوميين ويساريين وليبراليين ينكر كثير منهم إلى اليوم مشاركة الإسلاميين في الثورات إلا من قبيل “سرقة الثورة”. ولم تشفع لهم غزير الدماء ولا سنوات السجن. فكيف يعترف الغرب بنضال توكل طه كرمان! عندما اتصلت بها مهنئا قلت لها إن لدي أربع بنات، وفوزك يجسد أملا حقيقيا لهن. ردت بأنها شقت الطريق، وغيرها قادرات على فعل أكثر منها.
أعرف توكل من حسابي القديم المشطوب في “فيسبوك”، ولا أدعي الحكمة بأثر رجعي، كانت صحفية يمنية ناشطة في حقوق الصحفيين من خلال “صحفيات بلا قيود”، ولم أكن أتوقع أن تكون ثائرة أو من قادة الثورة حتى فوجئت بحضورها المدوي في الثورة اليمنية. ذلك الحضور من سيدة ريفية متزوجة شد أنظار العالم، وقبل نوبل اعترف بها العالم؛ اختارتها مجلة التايم الأميركية في المرتبة الأولى لأكثر النساء ثورية في التاريخ، كما حصلت على المرتبة الثالثة عشرة في قائمة أكثر من 100 شخصية مؤثرة في العالم حسب اختيار قراء مجلة التايم، كما تم تصنيفها ضمن أقوى 500 شخصية على مستوى العالم، وتم اختيارها كإحدى سبع نساء أحدثن تغييرا في العالم من قبل منظمة مراسلون بلا حدود. قوة توكل أنها تمثل جيلها من الفتيات العربيات في مجتمع يمني تصل فيه نسبة الأمية بين النساء إلى تسعين في المائة. وهي تنحدر من أسرة ريفية من منطقة مخلاف شرعب في محافظة تعز. وفدت أسرتها مبكرا إلى العاصمة صنعاء مهاجرة من محافظة تعز، تبعاً لعمل والدها القانوني والسياسي المعروف عبدالسلام كرمان. تخرجت من جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء بكالوريوس تجارة العام 1999، وبعدها حصلت على الماجستير في العلوم السياسية ونالت دبلوم عام تربية من جامعة صنعاء، ودبلوم صحافة استقصائية من الولايات المتحدة الأميركية.
في المقابل، خسر أدونيس على أهميته الأدبية. صحيح أن الجائزة لا تدقق في المواقف السياسية، إلا أن فوزه كان سيمنحه منبرا سياسيا لهجاء الثوار الذين يخرجون من المساجد، وسيتحفنا بدعوات الحوار مع النظام. بعيدا عن الدعاية المضادة، الثوري ليس شرطا أن يكون إسلاميا أو علمانيا، رجلا أو امرأة. العالم يحترم مَن يحترم نفسه، لا مَن ينافق له. فرق بين أدونيس الذي نظر للثورة على الواقع والموروث، وعند الثورة انحاز إلى أكثر الأنظمة توحشا وبدائية، وبين توكل التي مارست الثورة بعيدا عن التنظير.

هل تريد التعليق؟