مقالات

ثقافة الانتحار على ضفتي الأطلسي

كشفت جريمة الانتحاري الكوري تشو سيونج-هوي الطالب في جامعة فرجينيا عن ازدواجية جديدة (وكأن الغرب تنقصه ازدواجيات!) فهي جرت في غضون انشغال العالم بانتحاريي الدار البضاء، وبدلا من أن تقرأ في سياق ثقافة الانتحار التي تمس حياة البشر جميعا فصلت عن سياقها وكأن الانتحار والإرهاب شأن يخص العرب والمسلمين دون غيرهم. مع أن تشو قدّم مادة غنية لوسائل الإعلام لإعطاء جريمته مغزى سياسيا وثقافيا. خلافا لانتحاريي الدار البيضاء على الضفة الأخرى من الأطلسي لم يقدموا رسائل متلفزة مكتفين بقتل أنفسهم ودركي كان يطاردهم.

كل مواعظ الإعلام الأميركي التي كان يوجهها لـ” الجزيرة ” حول عدم بث الشرائط التي تشجع على العنف تبخرت بحصول محطة إن بي سي على تسجيل للانتحاري الكوري، فلم تراعِ مشاعر ذوي الضحايا ومنهم عرب ومسلمون وبثت مقاطع من التسجيل فقاطعوها. الضحايا العرب منهم فتاة لبنانية جميلة (كم ينشغل الإعلام الغربي بجمال الضحايا عندما يكنّ إسرائيليات أو غربيات) ومصري أب لأسرة حاول إيقاف القاتل، صورة العربي جميلا أو شجاعا ليس مكانها هنا!

غير أن رسالة الانتحاري مهمة وخصوصا عندما يهاجم المسيحية، لنتخيل لو أن الضحية المصري فعلها كيف سيكون التعامل معه؟ يقول تشو، الذي قتل نفسه عن عمر 23 عاما، بنبرة رتيبة وباردة في إحدى المقتطفات التي عرضتها القناة التلفزيونية “كان أمامكم مائة مليار فرصة وطريقة لتفادي اليوم.. ولكنكم قررتم إراقة دمي. وضعتموني في ركن وأعطيتموني خيارا واحدا. القرار كان لكم. الآن الدم في أيديكم ولن يغسل أبدا”.

وحسب ما ذكرت قناة إن بي سي الأميركية فإن التسجيل كان فيه الكثير من كلماته الصاخبة التي تكاد تكون غير مفهومة، ومشبعة باللعنات والعبارات البذيئة، التي هاجم فيها المسيحية والأغنياء.

وبدا تشو يقرأ من عريضة كتبها قائلا: “لم تكن سياراتكم المرسيدس كافية، يا أيها الفاسدون المدللون، ولم تكن قلاداتكم الذهبية كافية يا متعجرفين. ولم تكن ودائعكم كافية، ولم تكن الفودكا والكونياك كافية، ولم يكن كل الفسق والمجون كافيا، لم تشبع كلها حاجاتكم الدنيئة. كان لديكم كل شيء”. ويقول في أخرى: “لم أكن مضطرا لفعل ذلك، كان يمكن أن أرحل. كان يمكن أن أهرب.. ولن أهرب بعد الآن. ليس لي، لأطفالي، لإخواني وأخواتي، الـ.. (غطت القناة على الشتيمة). فعلتها من أجلهم”.

وقد أظهرته بعض الصور وهو يبتسم، وأظهرته أخرى يشهر المسدسين طول الوقت، ويرتدي قميصا أسود وعليه جاكيت كاكي من طراز عسكري، ويضع قفازين يكشفان الأصابع، وعلى رأسه طاقية بيسبول سوداء.

وفي صورة أخرى يقوم بأرجحة مطرقة بكلتا قبضتيه، وأخرى تظهره غاضبا ويسدد مسدسا لرأسه.

لا أدري إن كان الانتحاري الكوري اعتبر نفسه مقصودا بمحور الشر الذي أعلنه بوش وشمل كورية، أم أنه ملتزم بصراع الحضارات فاعتبر نفسه ليس جزءا من الحضارة الغربية المسيحية، أم أن له ثأرا مع الجيش الأميركي في غزوه لكوريا؟ أسئلة كثيرة تزداد صعوبة الإجابة عنها إذا ما أضيف له انتحاري وكالة الفضاء الاميركية (ناسا) الخمسيني الذي قتل نفسه بعد قتل الرهينة.

ثقافة العنف والانتحار موجودة في العالم كله، والمجتمع الأميركي يشجع عليها من خلال حماية حق اقتناء السلاح الذي نص عليه الدستور. وكل الجرائم، وأغلبها غير انتحاري، التي أودت بحياة الآلاف لم تجعل الأميركيين يعدلون دستورهم بشكل يمنع اقتناء السلاح.

يقول الشاعر أوسكار وايلد: إن الانتحار يكون بسبب أن الشخص حقق كل شيء في حياته أو لأنه لم يحقق أي شيء.

ليس صعبا تصنيف المنتحرين على ضفتي الأطلسي وفق تقسيم أوسكار وايلد.

هل تريد التعليق؟