تحالف المعارضة المصرية قبيل الانتخابات حدث تاريخي بمعنى الكلمة؛ فالأعداء الفكريون التاريخيون تجمعوا على برنامج سياسي، خلاصته أن المجتمع أقوى من الدولة. المجتمع السياسي المصري بشيخوخته (خالد محيي الدين، وأحمد الملط…)، وفقره وعجزه، أقوى من الدولة بكل شبابها وثرائها وحيويتها، والأهم من جهاز القمع الذي تملكه.
ما بين التجمع والإخوان، فكريا وسياسيا، ربما يفوق ما بينهم وما بين الحزب الجمهوري في أميركا. فالتجمع يمثل الإرث الماركسي المصري المعجون بثورة يوليو، وخالد محيي الدين، الزعيم التاريخي للتجمع، هو بالنسبة للإخوان يمثل يسار الضباط الأحرار الملطخة أيديهم بدماء قيادات الإخوان، تماما كما أن الإخوان بنظر التجمع ليسوا أكثر من فئة مارست الإرهاب الفكري باسم الدين ويدها أيضا ملطخة بالدماء.
التاريخ الكئيب ذاته يظلل علاقات الوفد بالتجمع والناصري بالوفد… لكن العداوة الفكرية والسياسية تحولت إلى خلاف يسمح بالتعايش والتشارك في إطار البرنامج الوطني، ولم يحل بحر الخلافات الهائج الذي يفصل بين المعارضة المصرية دون وصولها إلى شاطئ الأمان.
الأخبار السارة من القاهرة كشفت عن اتفاق قوى وأحزاب المعارضة المصرية على إعلان جبهة موحدة ضد الحزب الوطني الحاكم في الانتخابات البرلمانية القادمة، أطلقت عليها اسم الجبهة الوطنية للتغيير. وتضم الجبهة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وحركةَ كفاية، وعددا من الأحزاب الليبرالية واليسارية والناصرية.
وقد تشكلت الجبهة بمبادرة من رئيس وزراء مصر السابق عزيز صدقي، الذي عين منسقا عاما لها. وقررت الجبهة خوض الانتخابات من خلال قائمتين؛ إحداهما للإخوان، والأخرى لباقي أطراف الجبهة، على أن يتم التنسيق بين القائمتين في بعض الدوائر الانتخابية.
ونقل عن السكرتير العام لحزب التجمع الدكتور رفعت السعيد، ان احزاب “الوفد والتجمع والعربي الناصري والاخوان المسلمين وثمانية جماعات معارضة اخرى شكلت معا الجبهة الوطنية للتغيير”. واضاف، ان الارضية المشتركة التي سيتم العمل على اساسها ستصاغ، الا ان الجبهة لن تتقدم بمرشحين تحت اسمها في الانتخابات التشريعية المقبلة، وفقا لما ذكرته وكالة الانباء الفرنسية.
بمعزل عن مآل التحالف، إلا أن البداية أكثر من مبشرة، وتشرع الآمال بتغيير حقيقي ستكون له انعكاساته على المنطقة كلها، وتغلق الباب أمام المخاوف من الإصلاح الخارجي. فقيادات المعارضة المصرية تجمع شرعيات عز على النظام أن يجمعها؛ فالتجمع هو من يمثل شرعية إرث ثورة يوليو الحقيقي، وما نقص يكمله الناصريون. والوفد يعبر عن مصر الوطنية قبل الثورة، بقيمها الليبرالية الجامعة وخصوصا للأقباط. والإخوان هم المعبر الجماهيري عن الشرعية الإسلامية. وقبل ذلك وفوقه، أن تلك الأحزاب تتطلع إلى شرعية ديمقراطية، تقودها إلى مجلس الشعب عبر انتخابات نزيهة يغيب عنها استعراضات القوة للحزب الوطني.
اللافت في تجمع المعارضة هو شيخوخة قادتها، الذين لم يعاصروا مبارك فحسب بل هم من جيل الملك فاروق! في مقابل عملية تجميل تعرض لها الحزب الوطني من خلال لجنة السياسات التي يقودها نجل الرئيس الشاب جمال مبارك، وهي لجنة يكاد الحزب الوطني يكون تابعا لها لا العكس! فهي التي خاضت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وشكلت الحكومة التي سبقتها.. لكن من ينظر إلى حراك الجامعات المصرية الذي تقوده شبيبة الإخوان المسلمين يدرك أن المخزون الشبابي الهائل هو في صف المعارضة لا الحكم، الذي لا يخفي مظهره الشبابي المتكلف شيخوخة منهكة إلى أبعد الحدود في مقابل معارضة ذات جوهر شاب رغم مظهرها الكهل. وربما تبادر أحزاب المعارضة فتبدأ التغيير بزعاماتها، ولو بخطوة تقود مجايلي السادات إلى الصف الأول!
هل تريد التعليق؟