لو عرضنا صفحة “الغد” الأولى التي تتصدرها قصة جريمة الرابية المفزعة على عشرة أطفال، ثم أجرينا تحليلا نفسيا عليهم بعد قراءتها كيف ستكون حالهم؟
لم أجر التجربة وأخفيت الصحيفة عن أطفالي، لكن يمكن القول إن العشرة سيرسبون في الإجابة عن سؤال الموت الذي أعيا الكبار المجربين. الموت الطبيعي في حادث سيارة أو جلطة أو قصف إسرائيلي في فلسطين أو أميركي في أفغانستان أو جثث مجهولة الهوية في العراق.. كيف الموت على يد الأب، المتعلم ابن الطبقة الوسطى ساكن أحد أحياء عمان الراقية؟
كيف سينام الأطفال بسكينة وهم يتوقعون أن رصاصات الأب ستبدد سكون الليل؟ ما الفائدة من إفساد مخيلة الأطفال؟ لا بد من رقم يعطى في المدارس للجميع حماية من الشذوذ سواء كان اعتداء بالقتل أم اعتداء جنسيا أم عنفا. لا أدعو إلى إغماض العيون وإفساح المجال للشاذين والمجرمين في ارتكاب مزيد من الجرائم. لكنها دعوة إلى تعامل حكيم مع الظواهر الشاذة.
لا بد من دراسة جادة معمقة ووقفة مراجعة، كيف نتعامل مع أخبار الجريمة؟ انساق المجتمع ومع ظهور صحافة التابلويد الأسبوعية وراء خبر الجريمة باعتباره خبرا “بياعا”، وفي ظل اللهاث السوقي وراء الانتشار غابت المسؤولية الأخلاقية. يستطيع الباحث في تاريخ الصحافة الأردنية أن يلاحظ كيف كانت أخبار الجريمة مزوية في صفحة داخلية وكيف انتقلت إلى الصفحة الأولى.
لسنا استثناء من العالم، في الغرب تتصدر أخبار الجرائم، وهذا لا يعني أنهم على صواب دائما، مع ملاحظة فارق جوهري وهو مستوى النقاش وجديته وعمقه. في دولة متقدمة مثل النمسا فجع العالم بقصة الأب النمساوي جوزيف فريتزل، الذي احتجز ابنته لمدة 24 عاما في قبو سري أسفل منزله وأنجب منها 7 أطفال، خلال سجنها في سرداب اسفل منزله في بلدة امشتاتن غربي العاصمة فيينا. وقد كبر ثلاثة من هؤلاء الاطفال في السرداب من دون ان يروا الشمس بينما قامت زوجة المتهم بتربية ثلاثة اخرين من هؤلاء الاطفال. وقتل الأب أحد الأطفال واعترف للشرطة انه تخلص من جثة المولود بحرقها في غرفة احتراق نظام التدفئة في المنزل. وبعدها تكررت قصة الأب الأرجنتيني الذي أنجب سبعة أولاد من ابنته سفاحا.
لست بوارد المقارنة بين الجرائم البشعة، لكن علينا أن نعترف بوجود الظواهر الشاذة التي لا يجوز أن تتصدر. تعالَج بعمق وجدية في إطارها بعيدا عن الأطفال، وفي المدارس والإعلام علينا أن ننمي وعي الأطفال كيف يتعاملون مع الظواهر الشاذة، لا بد من رقم هاتف طوارئ متاح للجميع في حال وجود شخص غير سوي في العائلة.
فالشخص المصاب بالذهان أو الفصام على سبيل المثال لا يدرك كنه أفعاله وقد يقدم على ارتكاب أي جريمة. على العائلة أن تذهب به إلى الطبيب النفسي وإن أبى تقتاده رغما عنه عن طريق الشرطة.
لا أريد أن أستبق نتائج التحقيق في جريمة الرابية، لكن من الواضح أنها جريمة شاذة وقعت نتيجة اضطراب نفسي للأب قد يكون مفصوما أو مكتئبا، وكان يمكن تلافي الجريمة لو ذهب إلى طبيب نفسي أو اقتيد رغما عنه إلى مصحة نفسية.
المهم أن نفكر جيدا في انعكاس خبر جريمة كهذه على نفسيات أطفالنا. وأعتقد أن الأفضل قصر التعامل معه على صفحات داخلية في الصحف، وبعد الساعة التاسعة في التلفزة.
هل تريد التعليق؟