مقالات

“حال نكران”

تبدو مهمة الجمهوريين في الانتخابات النصفية عسيرة، فما يتلقاه الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان ميدانيا يجد صداه في الصحافة والإعلام والكتب. وقبل ذلك تتعامل معه البيروقراطية الحكومية والعسكرية والأمنية بجدية. ومؤسسات الدولة هي التي تتيح المعلومات الصحيحة والمؤلمة للصحافيين والكتاب وتجد بالتالي طريقها للجمهور.

كتاب الصحافي الشهير بوب وودوارد”حال نكران” ليس الطعنة الأولى التي تتلقاها إدارة بوش ولن تكون الأخيرة. بيد أنها طعنة نجلاء من صحافي اشتهر بفضائحه التي أثخنت في الحكومات وصولا إلى إسقاطها كما حصل في حكومة نيكسون عقب فضيحة ووترغيت. وهي طعنة ما كانت أصلا لولا الطعنات الحقيقية على الأرض في العراق تحديدا.

الكتاب، بحسب ما نشر من مقتطفات، لا يتطرق للوضع في أفغانستان، الذي لا يقل سوءا عنه في العراق. ومع ذلك فإن ما يكشفه عن الوضع في العراق يكشف”حال نكران” عربية وعراقية بالأساس. وغربية بالدرجة الثانية. فصورة العراق في الإعلام عموما هو نهب للمفخخات التي تفتك بالمدنيين، وأحيانا تتعرض القوات الأميركية لهجمات لا توثقها غير كاميرات المقاتلين ولا تجد سبيلا للنشر إلا بعد أن تنزل على مواقع الإنترنت.

 في كتابه يكشف بوب معلومة خطيرة. فالقوات الأميركية تتعرض لهجوم كل خمس عشرة دقيقة. معلومة كهذه تعني بالضرورة أن ثمة مقاومة ومقاومين في العراق. وتعني أيضا أنها مقاومة تاريخية تعمل في ظروف محبطة محليا وإقليميا ودوليا. وهي مقاومة بالنتيجة قادرة على هزيمة القوات الأميركية. إن استمرت بهذا الزخم. وتمكنت من تجنب الانزلاق إلى حرب أهلية أو على الأقل خففت من آثارها.

اعتبر وودوارد في حديث الى شبكة(سي بي أس) في برنامج “60 دقيقة” تبثه اليوم أن ادارة بوش “تخفي معلومات عن الرأي العام الأميركي عن مدى تدهور الوضع الأمني في العراق”. وقال: “اننا نشهد ما بين 800

و900 هجوم اسبوعياً أي بمعدل اربعة في الساعة على قواتنا”. واوضح ان “خبراء الاستخبارات يتوقعون أن يتدهور الوضع في 2007”.

واستغرب المؤلف قيام بوش باستشارة وزير الخارجية السابق هنري كيسينجر، الذي شارك في ادارة نيكسون في السبعينيات خلال حرب فيتنام، واعتبر ان “كيسينجر يشن حرب فيتنام جديدة، ومن وجهة نظره ان المشكلة في فيتنام اننا خسرنا عزمنا”. ويركز القسم المتعلق بخلافات الادارة حول الوضع العراقي على أداء وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وشخصه، وقيام مساعدي بوش على الأقل مرتين العام الماضي بمطالبته تنحية رامسفيلد، بتأييد من رايس ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي وحتى السيدة الأولى لورا بوش.

ونصح كبير موظفي البيت الأبيض السابق أندرو كارد بوش شخصياً “بطرد رامسفيلد”، لكن الرئيس كان أكثر اقتناعا بموقف نائبه ديك تشيني وكبير مستشاريه كارل روف اللذين تذرعا بأن رحيل رامسفيلد يشكل اضعافاً لموقع الادارة وقد تكون له تداعيات سلبية على الحرب. وتحدث وودوارد عن خلافات رايس ورامسفيلد، واضطرار بوش للتدخل شخصيا لحض الأخير على ضرورة الرد على اتصالاتها الهاتفية.

وأشار المؤلف الى أن قائد القيادة المركزية في العراق الجنرال جون أبي زيد نقل الى زائريه أن رامسفيلد “فقد صدقيته” فيما يتعلق بالشأن العراقي، وأن الحضور الأقوى هو للجنرالات العاملين في العراق والسفير زلماي خليل زاد. وقال وودوارد إن البيت الأبيض تجاهل تحذيراً عاجلا في ايلول(سبتمبر) 2003 من كبير مستشاري الشؤون العراقية روبرت بلاكويل بأن هناك حاجة ملحة لحوالي 40 ألف جندي أميركي لصد التمرد هناك، وهو ما يتعارض مع مفهوم رامسفيلد لبناء”جيش عراقي صغير ومؤهل وسريع على الأرض”.

كتاب بوب وودوارد صدر في وقت يحتدم فيه النقاش حول التقييم الاستخباري للوضع في العراق والذي وضعته ست عشرة وكالة استخبارية أميركية خلصت إلى أن الوضع في العراق غدا نقطة جذب للجماعات الجهادية. وفي تعقيب على التقرير قال “جون نجروبونتي”، وهو المكلف بالإشراف على الأجهزة الاستخبارية الأميركية من خلال وزارة الأمن الوطني،” إن الجهاد في العراق شكل جيلا جديدا من القادة والناشطين”الإرهابيين”.

قال نجروبونتي: إن حرب العراق قد ساهمت في دفع”التطرف” الإسلامي وزادت من التهديدات الموجهة ضد الغرب منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، واعتبر أن التقرير انصب بشكل واسع على تهديد”الإرهاب” العالمي، وليس فقط تأثير العراق. وقال: إن”جهاد العراق يشكل جيلا جديدا للقادة الإرهابيين والنشطاء”. ورأى أن”التطرف” يتم إذكاؤه من خلال الظلم المتوطد في العالم العربي والمشاعر المناهضة لأميركا وبطء الإصلاحات السياسية والاجتماعية.

التقارير الرسمية والصحافية والكتب وغيرها تكشف “حال نكران” أميركية. في العراق والعالم العربي كم تقرير صدر بعد مضي كل هذه السنوات على الحرب؟

هل تريد التعليق؟