بعد خمس سنوات من أحداث الحادي عشر من سبتمبر لا تخطئ العين فشل الحرب على ما تسميه الإدارة الأميركية إرهابا. ولا يعقل أن يظل العالم رهين إدارة بوش التي يصفها كثيرون بالغباء والتطرف وسوء التصرف. العالم غدا أقل أمنا وأقل ديمقراطية وأكثر قلقا وأكثر استبدادا. يتساوى الحال بين الدول الكبرى والصغرى.
عنوان المقال ليس دعوة صادرة عن نواب جبهة العمل الإسلامي. فـ”حان وقت الحديث مع القاعدة” هو إنتاج وثائقي للبي بي سي استغرق عامين. وهذه الاستنتاج سبق إليه مايكل شوير، مسؤول وحدة ابن لادن في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، لم يقل نظريته في سراديب أجهزة الأمن قالها في كتابه “غطرسة إمبريالية” الذي صدر في غضون عمله في سي آي إيه.
الشخص الذي كان مكلفا بقتل ابن لادن، وكانت لديه إمكانات أكبر قوة عرفها البشر، استنتج بالنهاية أن المطلوب محاورته. في برنامج البي بي سي، يقول شوير “إن حليف بن لادن الوحيد في تجييش جهاد عالمي هي السياسة الخارجية الأميركية. من دونها، تصبح مهمته شبه مستحيلة”. شوير يرى أن قضايا المسلمين التي يتحدث عنها بن لادن في فلسطين والعراق وكشمير والشيشان وغيرها قضايا عادلة.
في البرنامج الذي أعده بيتر تايلور آراء أخرى تصب في دعوة الحوار، تنقل البي بي سي عن العميد علي شكري، مستشار المغفور له الملك الحسين لمكافحة الإرهاب، قوله : “لا ضرر في التفاوض. وهذا لا يعتبر موافقة. هل الأميركيون مستعدون لخوض حرب على مدى السنوات الـ25 القادمة؟”
الموقف الأميركي مختلف، فسياسة البيت الأبيض هي: “نحن لا نتحدث إلى الإرهابيين. نحن نشلهم”.
لكن البروفيسور في جامعة هارفارد الأميركية، محمد محمدو، يوافق شكري رأيه، ويقول: “في وقت ما يجب أن نجد إطارا خلاقا لحوار ما. المسؤولية تقضي فهما أكثر تعمقا”.
ومع أن لا أحد يفكر جديا في أن تفاوض الاستخبارات الأميركية أو البريطانية بشكل سري أسامه بن لادن، لكن لعله مفيد أن نتعمق في رسالته خلال الأعوام العشرة الأخيرة. فهو لا يتحدث عن الخلافة الإسلامية أو دولة اسلامية عالمية بقدر ما يتحدث عن الدعم الأميركي لاسرائيل وللأنظمة العربية وعن وجود قوات أميركية في أراض “إسلامية”.
في الواقع، المسألة هي مسألة سياسة واشنطن الخارجية. هذا ما تستنتجه البي بي سي . لا يعقل أن نجد بن لادن في الذكرى السادسة لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر يجلس على طاولة مفاوضات مع الأميركيين. لكن القاعدة ليست بن لادن الذي قد يقتل أو يعتقل. القاعدة هي الشباب الغاضب في أمة الإسلام، التواق لعالم ترفع فيه مظالم الأمة. وإن كانت وسائلهم غير مشروعة حينا فأسبابها مشروعة، ولا يمكن القفز من السبب إلى النتيجة.
هذا الشباب الذي فجر ويفجر نفسه يمكن الوصول إليه ومحاورته. الأهم من ذلك معالجة الأسباب التي دفعته للغضب. في التحقيقات الأميركية مع المعتقلين في العراق أرجع أربعون في المائة من المعتقلين العرب الذين تسللوا لمقاتلة الأميركيين سبب التحاقهم بالقاعدة إلى فضيحة سجن أبو غريب.
في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر كانت صورة محمد الدرة الركيزة التي اعتمدت عليها القاعدة في تجنيد مقاتليها، اليوم تجد القاعدة مئات محمد الدرة في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان. وفي أشرطة القاعدة التحريضية كانت تستخدم صورة مجزرة قانا الأولى اليوم بإمكانهم استخدام قانا الثانية.
كل ما سبق أسباب خارجية، السبب الأخطر الذي يدفع للغضب والعنف داخلي؛ الفساد والاستبداد حليفان لا يقلا أهمية عن السياسة الخارجية الأميركية. القاعدة ليست معزولة بوجود هكذا حلفاء. والمطلوب فك عزلتها والحوار معها، سعيا لعالم أكثر عدلا وأكثر حرية وأكثر أمنا.
هل تريد التعليق؟