مقالات

حتى تقوم غزة أكثر عافية

مع إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد. يتكرر مشهد حرب تموز، فالمقاومة خرجت مرفوعة الرأس، ولم ترفع راية استسلام.

“يخرج الحي من الميت”، ليس أسطورة طائر الفينيق الذي ينتفض من بين الرماد، بل حقائق التاريخ. فكل محاولات إبادة الشعب الفلسطيني لم يكتب لها النجاح. وما تزال قضيته حية. فالمعركة ليست ضد حماس بل ضد الشعب الفلسطيني الذي يراد تحويله إلى  متلقي رواتب من صندوق فتح أو متلقي معونات من صندوق حماس، وكما “البوليس اليهودي” في الجيتو ينشغل بوليس فلسطيني بالجيتوهات في غزة والضفة وشاية واعتقلا وتعذيبا.

  منذ اليوم الأول للعدوان تقدمت الرواية الفلسطينية، وباستثناء بعض المعتوهين الذين فكروا بعقلية الثأر من حماس، فإن الرواية الرسمية الفلسطينية كانت: الحرب على الشعب الفلسطيني. وبمعزل عن التفاصيل الميدانية أعلنت كل الفصائل بما فيها فتح انخراطها في المعركة. وقد فشل الإسرائيليون الى حد بعيد في تقديم روايتهم بأنها حرب على الإرهاب.

  اليوم، ومع إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد. يتكرر مشهد حرب تموز، فالمقاومة خرجت مرفوعة الرأس، ولم ترفع راية استسلام. ولم تكن معزولة في معركتها فقد اخترقت حتى المحتلين، ولم تتمالك مذيعة التلفزيون الإسرائيلي نفسها فبكت وهي تشاهد بشاعة الجرائم.  ونخبهم تدرك أن جريمة غزة لن تقضي على المقاومة، قال المفكر الإسرائيلي روبيك روزينتال إن اسرائيل رغم قوتها الكبيرة لا يمكنها القضاء على حكم حماس في غزة والمجيء بنظام اخر موال لها. وفي مقال نشره في معاريف أوضح أنه في ظاهر الأمر يبدو وكأن اسقاط حماس سيؤدي الى وقف اطلاق لنار طويل المدى وتمهيد الظروف للحديث عن التسوية، منوهاً الى أن ما ينتظر اسرائيل عندها هو ما انتظرها عندما اعتقدت في العام 1982 انه بعد القضاء على منظمة التحرير في لبنان سينشأ نظام متعاون معها في لبنان، لكن ما حدث أن برز على السطح حزب الله.

 جميع قنوات التلفزة ووسائل الاعلام الإسرائيلية تنقل، بحسب الباحث في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي،عن الضباط والجنود الإسرائيليين الذين يشاركون في الجهد الحربي قولهم إنهم يواجهون مقاتلين أشداء، “في اشارة الى نشطاء “كتائب القسام”. وتضيف الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية نقلا عن قائد إحدى الكتائب في لواء الصفوة “جولاني”، والذي شارك في حرب لبنان الثانية “أنه من خلال الاحتكاك مع مقاتلي حماس، فإنه يرى أن الكثيرين منهم أكثر جرأة من مقاتلي حزب الله”. وحتى روني دانئيل المعلق العسكري لقناة التلفزة الإسرائيلية الثانية والذي يعتبر أحد المتحمسين للحرب على حماس، فقد اعترف على الهواء مباشرة “أنه يحظر عليه التحدث عن المفاجآت التي تعرض له الجنود اثناء توغلهم في غزة”.

             ما فشل فيه اتفاق مكة وغيره من محاولات المصالحة نجحت فيه تضحيات غزة وبطولاتها، ولعل أهم ما كتب عن التحولات في داخل فتح ما كتبه مراسل “الغد” من رام الله يوسف الشايب، الجمعة الماضية، بعنوان “البيوت الفتحاوية تشهد نقاشا صاخبا” في القصة أن عضو المجلس الثوري قدورة فارس محاصر بين أمه الثمانينية  ونجله ابن 13 عاما، فالأم توبخه على تخاذل السلطة، والابن الناشئ في بيت فتحاوي مثله الأعلى مقاتلو القسام. وعندما يقول له والده إننا من بدأ الكفاح المسلح يرد الابن” كان زمان بابا”. لا شك أن التيار الوطني العام في فتح وخارجها تأكد أن حماس “تكثر عند الفزع  وتقل عند الطمع”، وهو اليوم جاهز أكثر من أي وقت للمصالحة.

 على العرب المجتمعين في الكويت أن يضغطوا باتجاه حكومة التوافق الوطني، لأنها توحد العرب المنقسمين بناء على الانقسام  الفلسطيني، ولأنها المدخل الوحيد لإعادة إعمارغزة. فقبل انتهاء العدوان تم جمع المبلغ المطلوب عندما تبرعت قطر بربع بليون وتبرع العرب على التيلثون بنصف بليون، وحسب مكتب الإحصاء الفلسطيني فالمبلغ المطلوب بحدود ذلك، طبعا الخسائر البشرية لا تقدر بثمن، إلا أن إدخال أي دولا ر إلى غزة يتطلب تشغيل المعابر، وشرط ذلك حكومة توافق وطني. وتخطئ حماس كثيرا عندما تستخدم  تعبير “حكومة غزة” فتكريس الانقسام بين غزة والضفة هدف استراتيجي إسرائيلي معلن. وحماس لا تمد يدها اليوم من موقع ضعف بل من موقع قوة، وحتى لا نأخذ بشهادة المتحمسين للمقاومة، كتب من داخل مدينة غزة مراسلا صحيفة الاوبزيرفر تقريرا حاولا فيه الاجابة عن سؤال ربما يراود الكثير من المراقبين وهو كيف ستخرج حماس من هذه المعركة اكثر قوة ام اضعفا؟ “هل ستظل حماس تسير مرفوعة الرأس في شوارع غزة؟”. تساؤل مشحون بالعواطف اختاره صحفيا الاوبزيرفر عنوانا لتقريرهما. وخلصا  إلى أن  “مكانة حماس يبدو انها لم تمس، بل حتى تحسنت”.

 “سيقوم من الجرح أكثر عافية وطني”، تظل شعرا لكن بالعمل السياسي الشاق  يمكن أن تتحول إلى واقع.

هل تريد التعليق؟