في المنتدى الاقتصادي الذي انعقد في البحر الميت مؤخرا تقدمت مني الصحافية الإسرائيلية المشهورة ساميدار بيري وسألتني سؤالا عاما عن خدمة المنتدى لعملية السلام. لم يكن سهلا علي أن أجيب أو أن أرفض مهنيا وسياسيا.
في المهنة يتعامل الصحافيون مع بعضهم بمعزل عن اتفاقهم أو اختلافهم، ولا شك أن الصحافة الإسرائيلية ذات المهنية الرفيعة تقدم خدمة لأعداء إسرائيل من خلال تقديم صورة دقيقة للأوضاع في الصراع العربي الإسرائيلي.
سياسيا، وهذا ما انحزت إليه، قلت لها إنني ملتزم بقرار نقابة الصحفيين بمنع التطبيع وهو السلاح الوحيد الباقي في أيدينا في ظل الانهيار العربي لمواجهة دولة الاحتلال. إنسانيا، من الصعب أن تصد إنسانا حتى لو كان عدوا محاربا، وفي النهاية لا بد للعالم أجمع وليس للعرب والمسلمين فقط الانخراط في الصراع مع الدولة الباغية وممارسة كل أسلحة الضغط عليها بما فيها المقاطعة ومقاومة التطبيع.
تقديم السياسي على المهني، وللنقابات دور سياسي مؤثر تشكر عليه، واجب على الصحافيين والأطباء وغيرهم من المهنيين، فالخسارة المهنية تعوض بالكسب السياسي الكبير للقضية الفلسطينية وتعوض باحترام المهني لذاته، فهو يقوم بدور في الصراع وليس مجرد متفرج.
وما انفكت النقابات المهنية في الأردن والعالم العربي تقوم بدور أساسي في مقاومة التطبيع، وهو دور يستحق المساندة والدعم، وقد دفع النقابيون كلفة عالية في معركتهم النبيلة وتعرضوا للاعتقال والترهيب كما حصل مع علي أبو سكر وعلي حتر وبادي رفايعة وميسرة ملص إلا أنهم صمدوا وظلت النقابات شوكة في حلوق عملاء إسرائيل وأنصارها.
ولا ننسى وقفة النقابات في موضوع استيراد الخضار الإسرائيلية وهي تتطلب المواصلة إلى أن تتوقف هذه المأساة بفعل جشع مجموعة قليلة من التجار تهون عليهم القدس ودماء الأطفال مقابل المال. وقبل أيام ناقشت ابنتي الصغيرة تاجر خضار زعم أن المنجا ليست إسرائيلية فطلبت منه أن تشاهد العبوات لتعرف المنشأ فاكتشفت أنها فارغة بلا منشأ أي إسرائيلية!
مقابل ذلك كله لا يجوز أن تكون اجتهادات لجان مقاومة التطبيع قرآنا يتلى، فما فعلته بالصحافيين الذين أخذوا تأشيرات من السفارة الإسرائيلية غير مقبول. فالسفارة مثلها مثل السجان عندما تزور السجن، ولا أنسى يوم أخذت التأشيرة منها عندما توفي فيصل الحسيني لتغطية جنازته في عز انتفاضة الأقصى، تلك السفارة التي ظلت عنوانا للرجم أدخلها كي أدخل الأرض المحتلة! والسفارة التي منحتني التأشيرة ذاتها رفضت طلبي يوم وفاة ياسر عرفات، وطلبت أن نجلس ونتحاور حول ما أكتبه بعدائية عنهم، فكان جوابي أن رفض إعطائي تأشيرة وسام أعتز به، ولو منحني السجان فرصة اليوم للمشاركة في عمل صحافي عن أهلي السجناء لما ترددت بالقبول.
التواصل مع أهلنا سواء في فلسطين المحتلة عام 1967 أو ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية من فلسطينيي 1948 هو سلاح أساسي في مقاومة الاحتلال ودعم صمودهم، والمحتل ظل حريصا دائما على قطع جسورهم مع عالمهم العربي، وأحسب أن ما فعلته النقابات أخيرا يخدم استراتيجية العدو، وخير لها أن تتراجع عن الخطأ. وسنظل معها دائما أبدا في مقاومة التطبيع ولو اختلفنا في اجتهاد.
هل تريد التعليق؟