لا يتعامى أحد عن التركيبة الديموغرافية الهشة والحساسة في الأردن. وأي قرار سياسي لا بد أن ينزع فتيل أي أزمة، لا أن يصنع أزمات. هنا طالبت بعدم المساس بوضع الدوائر الانتخابية والحفاظ عليها كما هي، فالضرر المترتب على تغييرها أكبر بكثير من الفائدة العائدة من إعادة توزيعها من جديد. فالحقوق الدستورية تعاقدية دائمة، وليست متغيرة بحسب المزاج السياسي. وعند وحدة الضفتين كان الفلسطينيون يشكلون ثلثي سكان المملكة، ولكن بالوحدة كانت حصتهم في مجلس النواب النصف، وبعد قرار إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر، تخلى المقيمون في الضفة الغربية عن جنسياتهم ولم يعترض أحد منهم على فك الارتباط. وفي نفس السياق، لا يطالب أحد من أبناء قطاع غزة بالجنسية، وإنما بتحسين شروط الإقامة، أسوة بمن يقيم على أرض المملكة.
تلك المقدمة أساسية لمناقشة المأساة المسماة “سايبر ستي” في تخوم جامعة العلوم والتكنولوجيا. ففي ظل الصوت العالي للمتطرفين، انتصر في الدولة رأي “اعتقال” نحو 300 فلسطيني لجؤوا من العراق عقب الحرب، وظلوا أربع سنوات يقاسون في معسكرهم الصحراوي، نساء وأطفالا. وهنا في الغد كتبت عن “آية في مخيم الرويشد”؛ الطفلة التي ماتت حرقا في خيمتها. ولم يستجب أحد، وتم إحباط مؤامرة الوطن البديل، وأبعد 250 فلسطينيا إلى البرازيل. وقد لحقهم الزميل حسن الشوبكي هناك، وناشدوا الدول العربية جميعا استقبالهم فلم يستقبلهم أحد. والجزيرة الوثائقية نشرت فيلما آخر عنهم، قالت عجوز فيه إنه عندما مات زوجها صارت تتحدث مع النباتات، لأنها لم تجد من تبثه همها بلغتها.
في “سايبر ستي”، وهو مكان لقي إدانة من منظمات حقوقية لأنه “بدائي” لا يناسب العمال الآسيويين، يقيم نحو 150 لاجئا فلسطينيا قدموا من سورية، جلهم نساء وأطفال. طبعا، ثمة مخاوف من أن يستغل النظام السوري الأوضاع الراهنة ويقذف باللاجئين الفلسطينيين إلى الأردن. وهي ذات المخاوف التي أفرزت مأساة مخيم الرويشد. يعيش هؤلاء في ظروف مأساوية، وهم ممنوعون من مغادرة معسكر الاعتقال المسمى مخيم لاجئين.
في الجوهر، تتحكم النزعات العنصرية بكثير من القرارات، أو على الأقل تراعى تلك النزعات. في الأردن يصل عدد السوريين إلى 700 ألف، منهم نحو مئة وخمسين ألفا بعد الثورة، ومن بينهم نحو 150 فلسطينيا؛ أي أن النسبة بالمجمل أقل من واحد بالألف. ويمكن للدولة أن تعيد حساباتها لو أن العدد بالآلاف، أما بناء استراتيجية على أساس 150 إنسانا فهذا غير مفهوم وغير مقبول بمنطق إنساني أو سياسي.
إن اللاجئ الفلسطيني في سورية، كما في العراق أيام البعث، يتمتع بحقوق كاملة باستثناء الحق في الانتخاب، وكثير منهم من خدم في الأجهزة الأمنية والعسكرية. وفي ظل الثورة السورية، انقسم الفلسطينيون بين محايد ومناصر للثورة ومناصر للنظام، لكنهم جميعا لم يفكروا في مغادرة البلد الذي يعيشون فيه من أيام النكبة، إلا من يخشى الموت أو الاعتقال، وهم الفئة القليلة التي غادرت إلى الأردن.
في القرآن الكريم: “وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه”؛ فالمستجير حتى لو كان عدوا يستقبل. وهؤلاء مستجيرون بنا لا “كالمستجير من الرمضاء بالنار”.
هل تريد التعليق؟