كسبت الحكومة عندما فتحت ملف الكازينو على الملأ. وستكسب أكثر عندما تمضي بالملف إلى نهايته. فلا توجد دولة في العالم تعتبر دستورها وقوانينها مواعظ حسنة يختار الناس تركها أو الأخذ بها. فالدستور هو العقد بين المواطن والدولة، وكأي عقد يلتزم به الطرفان. وهو ما ينطبق على القوانين التي تفصل المبادئ العامة للدستور ولها نفس إلزاميته. في قضية الكازينو بدا الانتهاك فادحا للدستور والقانون في آن.
وحتى لا يُتعاطى مع القضية وفق عقلية الارتجال لحكومة قائمة أو آفلة، علينا أن نتذكر أن حكومة معروف البخيت لم تكن الأولى التي توافق على إنشاء كازينو القمار. فقد سبقتها حكومة علي أبو الراغب عندما وافقت لمستثمرين، واحد في العقبة الخاصة والآخر في المعبر الشمالي. وهي معلومات أكدها لي وزيران كانا في تلك الحكومة.
وحصلت حكومة أبو الراغب (بتاريخ 1- 7-2002) على قرار من الديوان الخاص بتفسير القوانين يسمح لها بانشاء كازينو قمار. استنادا إلى أن المادة السادسة من قانون المنطقة الخاصة في العقبة التي تقول “تسري على المنطقة أحكام التشريعات النافذة المفعول في المملكة، ويعمل بأحكام هذا القانون عند تعارضها مع أي نص في تلك التشريعات”. والتشريعات الأردنية تجرّم المقامرة، ولو أن أردنيا لعب القمار مع زوجته لحق للضابطة العدلية محاسبته على فعلته تماما كما لو أنه تعاطى المخدرات أو سرق.
أما الدستور الأردني فيلزم الحكومات بأخذ موافقة مجلس النواب على أي اتفاقات تحمل خزينة الدولة نفقات. تقول المادة 33 فقرة 2 “المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئا من النفقات أو مساسا في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة”. وتوضح الفقرة أكثر بخصوص “السرية”: “ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية”.
عندما منحت حكومة معروف البخيت المستثمر العراقي رخصة الكازينو ضمن مشروعه الاستثماري في البحر الميت لم تعلم أحدا، ولم تستمع لاعتراضات أهم خبير قانون فيها وهو شريف الزعبي، ولا لوزير المالية زياد فريز، ولا للخارجية عبدالإله الخطيب، ولا الأوقاف عبدالفتاح صلاح. ومع ذلك تظل مسؤولية مجلس الوزراء تضامنية. الأسوأ من ذلك إيقاف الاتفاقية قبيل رحيلها من دون إبداء الأسباب مع علمها بالشرط الجزائي الذي ينص على تعويض المستثمر ما يعادل بليوني دولار، من اموال دافع الضرائب وكأن الحكومة لم تقرأ “التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئا من النفقات أو مساسا في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة”.
فوجئت وزيرة السياحة مها الخطيب في اليوم الثالث من دوامها بتهنئة ممثل الشركة الاستثمارية مشفوعة برغبته ببدء العمل، وعندما بحثت في الموضوع وجدت قرارين لمجلس الوزراء: الاتفاقية، وإيقاف الاتفاقية! مع قيدين: الشرط الجزائي الفلكي والاحتكام للقانون البريطاني. ولم يكن أمامها والحكومة خيارات للخروج من “الورطة” غير التوصل إلى تسوية مع المستثمر وهو ما حصل.
خرجت الحكومة بـ”أقل خسائر” وهو ما يسجل لها، لكن لنا أن نتساءل لو أن المستثمر اختار التصعيد وطالب بالبليونين؟ لا يجوز أن ينتهي النقاش بالطريقة السمجة “أنا مع الكازينو ولكن..”. هذا لا يحدث في بلد فيه دستور وقانون على من يريد فتح كازينو أن يطالب بتعديل التشريعات التي تجرم القمار، وإلا كانت دعوته جزءا من أعمال المقامرة.
على الحكومة أن تكمل الشوط إلى نهايته، وعلى الرئيسين السابقين علي أبو الراغب ومعروف البخيت ووزيري السياحة في حكومتيهما أن يقدموا تفسيرهم لما حصل.
هل تريد التعليق؟