قطعت الحكومة الانتقالية التونسية خطوة مهمة بإصدارها قانون العفو العام، لكن ذلك لا يكتمل من دون تشريع آخر للإنصاف والمساءلة. فالتسامح لا يعني العفو عن أكابر المجرمين الذين أهانوا الشعب التونسي. وحتى لا ننسى، أعيد ما كتبته عما فعلوا بالصحافي الفاهم بوكدوس الذي خرج في العفو العام، ليس للتذكير ببشاعة النظام فقط وإنما لتوثيق تضحيات المناضلين.
“في تونس تجاوزت السلطات أساليب التنصت والفبركة التي ظلت تمارسها مع معارضيها، وخاضت المعركة بوضوح ضد قناة الحوار التونسي التي تبث ساعة في اليوم. وبشاعة الموقف لا تقتصر على استهداف وسائل التعبير السلمي الحر فحسب، بل تتعداه إلى انتزاع صحافي من فراش المرض ليلاقي مصيره، بحسب موقع المرصد، أكّد الفاهم بوكدّوس من سريره بالمستشفى: “أنا أتوقع أن يأتي البوليس في أي لحظة لانتزاعي من سرير المستشفى ويلقي بي في غياهب زنازينه الجهنمية، وسأتقبّل بشجاعة هذا الحكم الجائر لعدالة تتحرّك بالتعليمات، لكن يهمني أن يعلم الجميع أن حياتي في خطر وأنه من الوارد جدا أن يقودوني إلى الموت”. تصريحاته بعد أن قضت محكمة الاستئناف بقفصة بسجنه 4 سنوات نافذة من أجل “تكوين عصابة إجرامية من شأنها الاعتداء على الأشخاص وممتلكاتهم”؛ وقد جاء هذا الاتهام على خلفية تغطية بوكدّوس لقناة “الحوار التونسي” للتحركات الاحتجاجية الشعبية التي عرفتها منطقة الحوض المنجمي بقفصة خلال العام 2008.
لا فرق في المحاسبة بين القادة السياسيين والأمنيين، فكل كان له دوره، ولم يجبر أحد على التصدر للقيادة بل أجهدوا أنفسهم في النفاق للوصول إلى القيادة. وبدلا من المحاسبة يتحايل حزب الرئيس المخلوع محاولا الدخول من الشباك بعد أن أخرجه الشعب من الباب. ولا يكتفي قادة الحزب بهذا التذاكي بل يتواقحون أيضا. كقول رئيس وزرائهم عن زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي إنه يحتاج إلى عفو عام حتى يعود إلى تونس!
من يعفو عن من؟ إنها ملهاة لا أكثر. يصر الطغاة على إمتاعنا في كل فصل من فصول الثورة التونسية التي لن تتوقف حتى تطهير تونس منهم. لم تكن حركة النهضة الضحية الوحيدة للنظام التونسي، لكنها دفعت الكلفة الأعلى قتلا وسجنا وتشريدا وحصارا. وهي لم تدع أنها فجرت الثورة التونسية بل قالت وتقول إنها فوجئت بها كما فوجئ الجميع. لكن لا شك أن الاضطهاد الذي تعرض له الشرفاء مثل حزب العمال الشيوعي والمؤتمر من أجل الجمهورية وغيرهم ملأ سماء تونس بالغاز الذي فجره حريق البوعزيزي.
القوى المحظورة من إسلاميين ويساريين وقوميين ووطنيين هي المطلوب منها أن تعفو عن أتباع النظام السابق الذي يؤمل أن يصبح بائدا لا أثر له. وإن كان خلق التسامح والعفو عند المقدرة مطلوبا، فإن المحظور هو نسيان الماضي، كما في القاعدة الذهبية التي قررها نيلسون مانديلا بعد نهاية نظام الفصل العنصري “نغفر ولا ننسى”.
هل تريد التعليق؟