لا يعجبهم داعية جماهيري شاب مثل عمرو خالد ولا علامة وقور مثل الشيخ نوح سلمان مفتي المملكة، ويتميزون غيظا من الشيخ يوسف القرضاوي لأنه أفتى بحرمة الجدار الفولاذي. ويتمنون أن يأتي يوم يغيب الدعاة والشيوخ عن وجه الأرض لا عن شاشات الفضائيات.
وفي التاريخ البشري كثير من هؤلاء الذين يرون في الدين مشكلة لا حلا. والدولة الوحيدة التي تبنت الإلحاد مذهبا لها هي ألبانيا. ولك أن تتخيل النهضة الكبرى التي حققها الحاكم المعتوه أنور خوجا. والغريب أن هؤلاء يضيقون بالمتدينين أكثر من ضيق المتدينين بهم.
لا يختلف الأردن عن شعوب الأرض التي يلعب فيها الدين دورا حيويا. والذين يستكثرون حضور الدعاة والشيوخ عندنا عليهم أن يقارنوا بين حضور مؤسسة الفاتيكان بالغرب وحضور الأزهر عندنا، ومن منهما أكثر تمويلا وحضورا وتدخلا في السياسة.
وقد جاء تعيين الشيخ نوح سلمان القضاة في موقع المفتي العام للمملكة في إطار إعادة الاعتبار للمؤسسة الدينية الرسمية. فالشيخ له مكانته التي صنعها بعلمه واستقامته وتقواه بمعزل عن المكان الذي يكون فيه، وهو أضاف للموقع وأعطاه صدقية ولم يضف له الموقع.
لا تجهل أكثرية الأردنيين الدور الذي لعبه الشيخ في الجيش العربي المصطفوي. فما حققته القوات المسلحة لم يكن بحسن التسليح والتدريب والتنظيم فقط بل بالاستقامة الخلقية لأفرادها وضباطها. وهو ما ساهمت فيه مديرية الإفتاء في القوات المسلحة بشكل كبير.
حظي الشيخ بحفاوة وترحيب عندما تولى موقعه بقدر ما أغاظ أعداء الدين، ولم تهدأ الحملات عليه. يجهل هؤلاء أن الشيخ لم يسع للمنصب، وتردد كثيرا في قبوله. لولا وجود الإرادة العليا في الدولة بضمان استقلالية الإفتاء الذي لا سلطان عليه لغير الدين.
الشيخ ليس وزير سياحة، وعندما يسأله مواطن عن حكم الاستثمار في فنادق تقدم الخمور فهو يفتي بفقه الدين لا باعتبارات السياحة. وعندما تقرر وزيرة السياحة منح رخصة لفندق أو مطعم لا تطلب رأي الشيخ. هذه الفتوى لا تقرأ وحدها، فالشيخ أفتى بحرمة الاستثمار في البورصات الوهمية التي أكلت أموال البسطاء، ولو أخذت تلك الفتوى حقها في الإعلام لتجنبنا كارثة روّج لها التلفزيون الأردني من خلال استضافة أبطالها.
نحتاج إلى حضور أكبر للشيخ من خلال وسائل الإعلام، فحضور أمثاله من العلماء المعتدلين بلا إفراط ولا تفريط يعصم الشباب من الوقوع في فخ التطرف والتشدد. ونحن أحوج ما نكون إلى قيم الدين في البذل والتضحية والاستقامة والتراحم والتكافل. طبعا هذا لا يعني أن غير المتدينين بلا قيم، بل يعني ببساطة أن الأكثرية الساحقة من الناس يشكل الدين مصدر القيم الأساسي لها.
هل تريد التعليق؟