انتهت حياة الإعلامي السوري حسين عباس بصاروخ كورنيت في ظل المعارك المحتدمة في الرحيبة. “نهاية رجل شجاع” بأكثر الصواريخ فتكا بالدروع، قد تكون ميزة له في ظل تعدد طرق الموت في سورية من البراميل إلى الموت جوعا. تحلى قبل وبعد عمله منتجا ميدانيا في قناة الجزيرة بشجاعة استثنائية في تظاهرات الضمير كان ممن تجرؤوا بالهاتف مبكرا ضد رمز العائلة الحاكمة في دمشق، إذ أطلق هتاف “يلعن روحك يا حافظ” ردا على الصنمية والقداسة التي تحيط بالطاغية الأب.
عندما قابلته أول مرة في عمان في بداية الثورة السورية لم أكن أتوقع هذه النهاية. عرّفني عليه الصحفي اليساري جهاد الرنتيسي وقال إن عنده شابين من طرف الكاتب اليساري فايز سارة، وهما حسين عباس والمحامي محمد عيسى الناطق باسم المحامين الأحرار. حضر الشابان باعتبارهما من لجان التنسيق وهي أقرب للتيارات اليسارية والعلمانية مقابل هيئة التنسيق الأقرب الى الإسلاميين. لم ألحظ عليهما تعصبا حزبيا أو مناطقيا أو طائفيا، كانا يجسدان الثورة السورية في مرحلة البراءة والنقاء.
من جيل عايش نظام الأسد، ولد في عام 81 الذي شهد المواجهات المسلحة مع الاخوان المسلمين، من عائلة بدو رحل توطنت في السبعينيات.
تخرج في معهد طبي. وعمل في التأمينات الطبية. وكانت زوجة فايز سارة زميلته في العمل. في عمان بدأت التحولات نحو الإسلامية لدى حسين، فالذين يصمدون على الأرض ويقاتلون في جلهم إسلاميون، ومن يدعمون في الخارج كذلك. إلا أن التزامه الإسلامي لم يؤد به إلى التعصب بل ظل على انفتاحه. نشط في المجال الإعلامي والإغاثي. ولم يكن يعرف الخوف. يوما تسلل مع ناشطين إلى السفارة وتحدى من فيها رافعا علم الثورة في داخلها. وعندما اعتقل وتعرض للقذف وحول بعدها لمحكمة أمن الدولة واصل نشاطه.
أصر على الدخول إلى سورية، وأخبرني بأنه قادر على العمل من داخل الضمير في ريف دمشق، ولم تكن قد خضعت لسيطرة الثوار بعد. تشبه رحلة دخوله رواية “رجال في الشمس” لغسان كنفاني، أخفى نفسه في براد خضار، كان من الممكن أن يموت مثلجا أو أن يعدم في حال اكتشافه. بعد دخوله تمكن من إيصال صورة الريف الدمشقي بمآسيه وانتصاراته وتمكن لا حقاً بعد تحريره من إدخال وإخراج أطقم الجزيرة في رحلة بين دروب الموت.
انتقل من ناشط ثوري إلى إعلامي مثل كثير من الشباب السوري، لم تكن تلك غايتهم، كانت طريقا فرعية استدرجتهم، غايتهم ظلت أن يعيشوا حياة طبيعية مثل باقي البشر، عاد حسين في آخر رحلة إلى الضمير من أجل الزواج، لكن الظروف لم تواته، فحاول الرجوع إلى تركيا، فكان على موعد مع الموت الذي ظل قريبا منه، وكان يفضله على الحياة في ظل نظام بشار الذي بدأ حملته الانتخابية من أجل رئاسة جديدة تجلب معها مزيدا من الموت.
وضع صورة “شامل” على حسابه في فيس بوك. وهو شاب من دوما نفذ عملية استشهادية في حاجز معمل السكر بعد أن ودعه والداه في مقطع مؤثر، وكان قبلها قد نجا من الموت بأعجوبة في عملية استشهادية. إنه طلب ملح للموت، من أجل الحياة. كم ودع السوريون شبابا كان من المفروض أن يحيوا بكرامة وأمل.
هؤلاء الشباب اختاروا بحرية ما عند الله لا ما عند الناس، ولم يكونوا مضطرين لما فعلوه. كان بإمكان حسين ان يبقى في الأردن أو تركيا أو يغادر إلى أوروبا، لكنه اختار الموت في سورية. كان الله معهم في المحيا والممات.
هل تريد التعليق؟