تصادف تمرد السجون مع نفاذ قانون الأحزاب الذي أودى بحياة 12 حزبا. ليكشف مدى ضآلة حقوق الإنسان والحريات العامة لدى أعلى الأصوات المنادية بها. فالحكم بالإعدام على أي حزب مهما قل منتسبوه يتطلب من أعضاء الحزب أنفسهم تحركا مشروعا دفاعا عن أنفسهم. بقدر ما يتطلب من أقرانهم التضامن معهم.
يقال كلام كثير عن ضآلة الأحزاب وهامشيتها وعدم جديتها، وجله صحيح. والصحيح أيضا أن ذلك لا يقلل من قدسية حق التجمع والانتظام. فالشركات المسجلة في وزارة الصناعة والتجارة كبيرة أم صغيرة أم متناهية الصغر دليل على أن النظام الاقتصادي المفتوح يعمل. وتقرر السوق من يخرج منها ومن يتسيدها ومن يقتات على هوامشها ولكل نصيب. والسياسة تعمل بالمنطق ذاته.
من مساوئ الصدف أن المساجين الذين فقدوا حريتهم الخاصة والعامة تمردوا مطالبة بما يدّعونه من حقوق لهم، ومن دونهم نكص الساسة لا يلوون على شيء؛ إلا استمطار رحمة قرار حكومي. وبات الحزبيون العتيقون يترحمون على ايام الحظر والعمل السري.
لا تتجزأ الحقوق؛ فالسجناء مهما كانت جرائمهم لهم حقوقهم الدستورية الكاملة، والحزبيون مهما قل عددهم وعديدهم لهم الحقوق ذاتها كاملة. وبذا تبنى دولة المؤسسات والقانون على الأرض ولا تظل شعارا فارغا. والتمسك بالحقوق لا يعني الدعوة إلى الفوضى؛ على العكس تماما عدم إعطائها هو دعوة مفتوحة إلى الفوضى. لا يريد عاقل أن يصحو وقد انفتحت أبواب السجون على مصاريعها وانفلت المجرمون يعيثون في الأرض فسادا. غير أن في السجن من لم تبت المحكمة في إجرامه. فالطالب المتهم بالدوس على العلم، والذي تنصفه الصور التلفزيونية الواضحة كانت جلسته في غضون التمرد. لنتخيل أنه كان من بين الجثث المتفحمة وأصدرت المحكمة قرارا ببراءته! وفي السجن من صلح أمره، وفي السجن مجرمون لا تخرجهم جرائمهم من دائرة البشر والمواطنة.
لم يخلق “المواطن مجرما حتى يدان” على قول أحمد مطر، بل هو مفطور على حقوقه الأساسية. والدولة ليست سجانا وعصا، بل هي نظام وقانون ومؤسسات. وفي البديهي أيضا، أن الدولة تختلف عن غيرها في أنها تحتكر القوة المنظمة وحق استخدامها. فالشرطي الذي يحمل سلاحا باسم القانون من حقه استخدامه –وفق القانون- سواء كان مدفعا رشاشا أم عصا وقنبلة غاز. وهو لا يفرط في ذلك ولا يتعسف. حتى لو كان جندي احتلال وفي حال الحرب، فما بالك إن كان يتعامل مع مواطنيه.
يقول نشطاء حقوق الإنسان إذا أردت أن تعرف وضع حقوق الإنسان في بلد فانظر إلى سجونه. وفي المعيار النسبي، وقياسا على الأوضاع العربية التعيسة يحق للمسؤولين أن ينفشوا ريشهم. فلا يوجد في الأردن مفقود واحد. وفي بلدان عربية تجاوز العدد الآلاف ممن دخلوا السجون ولم يخرجوا منها. وعندنا المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي يشكل مرصدا نزيها لا يجامل أحدا. ولا تستطيع تقارير منظمات حقوق الإنسان محلية أم عالمية المزاودة عليه.
تنتهي زاوبع السجون والأحزاب في فنجان الأمر الواقع، ويظل “الإصلاح السياسي” وهما نطارده ولا نتلمسه. ويقطع سيف النسبية قول كل خطيب، فالإصلاح وهم أفضل منه تهمة. ودونكم أصحاب “إعلان دمشق” وقادة الإخوان في مصر الذين لقبوا بـ”رهائن الإصلاح”. وأن تدافعوا عن حقوق السجناء خير من أن تكونوا في جوارهم.. من قال أن حقوق الإنسان لا تتجزأ!
هل تريد التعليق؟