الشعب الفلسطيني الذي يحقق أعلى مستويات تعليم في العالم قرر معاقبة السلطة الفاسدة ماليا وانتخاب حركة المقاومة الإسلامية حماس. هذا ما كان يقوله أكثر الناس عداء لحماس في تحليل فوزها المدوي. غير المعادين لحماس كانوا يرون في فوزها انتخابا لخط سياسي يرفض التفريط بما تبقى من حقوق تاريخية للشعب الفلسطيني مع اتفاقهم مع التحليل الأول بشأن فساد السلطة ماليا، أي أن الخلاف بين من يرى السلطة فاسدة ماليا ومن يراها فاسدة ماليا وسياسيا.
طبعا فساد السلطة في شقه المالي محل إجماع المؤسسات المالية الدولية والمؤسسات الرقابية المحلية، وبسبب ذلك الفساد توقفت أكثر المساعدات قبل فوز حماس الذي أعطى حافزا سياسيا للحصار الشامل. الخلاف على فساد السلطة في شقه السياسي، وعلى فك الارتباط بين الفسادين. ثمة من يرى أن الخط السياسي للسلطة معقول لا بل مطلوب للشعب الفلسطيني وثمة من يرى أنه لا بد من فك الارتباط بين الفساد المالي والفساد السياسي فلا علاقة لهذا بذاك. وليس بالضرورة أن ينتج الفساد المالي فسادا سياسيا.
ما مضى من تجربة حماس أثبت أن الفساد لا يتجزأ وأن الذين يخونون أمانة المسؤولية في المال العام لا يشعرون بالمسؤولية أصلا تجاه شعبهم ومصالحه العليا. المهم هو المصالح الشخصية الضيقة. وهي مصالح تنحدر إلى مستوى أثاث المكتب. من يصدق أن مسؤولا مهما يأخذ أثاث مكتبه من الوزارة على مرأى من الناس قبل تسليم السلطة لحماس بدعوى أن الأثاث جاء به على حسابه الشخصي وليس على حساب الوزارة؟ هذه صورة من المضحكات المبكيات التي تحكم حركة الشعب الفلسطيني. بالنتيجة الفاسدون لم يملكوا شجاعة تسليم السلطة لمن اختارهم الشعب وأخذوا منها ما استطاعوا حمله وبدؤوا يعدون للكر مرة أخرى بعد الهزيمة. كر مجرد من كل قيم المنافسة الديمقراطية.
الكر على حماس مورست فيه كل أشكال التآمر مع كل الجهات، إلى درجة تجويع الشعب بأكمله. تريدون حماس؟ إذن لن يدخل فلس لجيوبكم. الحصار الذي تعرضت له حكومة حماس كفيل بتدمير موازنة الحكومة اليابانية وإفقار شعبها. طبعا الحصار ما كان ليتم لولا الدعم الذي تلقاه من اللصوص الذين هزموا عبر صناديق الاقتراع، لولا الغطاء العربي والدولي.
ليست أول مرة يتعرض فيها الشعب الفلسطيني لحرب قاسية، لكنها المرة الأولى التي يتعرض فيها لخذلان رسمي بهذه الفجاجة، ولو لم يجد الإسرائيليون تشجيعا من داخل البيت الفلسطيني لما استمر حصارهم يوما. الفارق فاضح بين موقف حكومة السنيورة وموقف محمود عباس، فحزب الله لا يزال يحتفظ بالأسيرين اللذين أسرهما من وراء الخط الأزرق، والحصار انتهى على لبنان. أما غزة فقد أسر فيها جندي في أرض لا يختلف على أنها محتلة، وهو أسر مقابل عشرة آلاف وليس مقابل قنطار وسكاف. الموقف العربي واللبناني كان رافضا للحصار على لبنان. في فلسطين الموقف مختلف. وهو ما شجع الإسرائيلي على استمرار حصاره.
الفلسطينيون يعرفون تماما من الذي حاصرهم. ولن يقبلوا بعودة اللصوص إلى حكمهم مجددا، وإن كان الخيار بين عودة اللصوص أو عودة الاحتلال فعودة الاحتلال أفضل، فمقاومته بطولة، أما مقاومة اللصوص فستكون حربا أهلية.
هل تريد التعليق؟