بدت المقارنة مغرية سياسيا وإنسانيا، بين لقاء أربعتنا في دمشق قبل الثورة السورية مع خالد مشعل واللقاء في عمان أول من أمس. على اختلاف توجهاتنا ومواقعنا؛ الدكتور محمد المصري الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية، والزميلين فهد الخيطان والدكتور محمد أبو رمان، خرجنا باستنتاج أن “حماس” وإن خسرت قلعتها الاستراتيجية في دمشق، إلا أنها كسبت أكثر في الربيع العربي.
لقد اختارت “حماس” أن تنحاز لربيع الشعوب، وغادرت دمشق طوعا، وما تزال إلى اليوم أبوابها مفتوحة لها. وتشعر الحركة بالأسف على فشل جهودها في الوصول إلى حل سياسي عندما كان ممكنا، بسبب تعنت النظام. وقد أحسنت للقضية الفلسطينية عندما لم تقف شاهدا على المجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري.
بداية، فاجأنا أبو الوليد بنفي أن تكون الزيارة قد رتبت إثر فوز مرشح الإخوان د.محمد مرسي بالرئاسة المصرية، وأن ترتيبها سبق ذلك. كما لم يُطلب من “حماس” التوسط لدى الإخوان ولا العكس. غير أن “حماس” في المقابل لن تدخر وسعا في بناء جسور الحوار، سواء بين تيارات الإخوان أو بين الإخوان والدولة. وهي وإن كانت سابقا جزءا من تنظيم الإخوان في الأردن، إلا أنها حريصة أن تظل على مسافة واحدة بين الدولة والإخوان.
الجسر ليس محليا هنا؛ لحماس عمق في دول الربيع العربي، ولها مكانة خاصة في مصر. واللافت أن العلاقة تتجاوز الإخوان إلى أركان الدولة المصرية، إضافة إلى التيارات السياسية الأخرى. وقد لعبت الحركة دورا مهما في التقريب بين الفرقاء هناك.
الجسر ليس باتجاه واحد؛ فالأردن بحكم علاقاته الدولية مع الأميركيين والأوروبيين قادر على خدمة القضية الفلسطينية من خلال تقريب وجهات النظر وتبادلها بين “حماس” والغرب. فلا شك أن الصهاينة تمكنوا إلى درجة كبيرة من شيطنة حركات المقاومة لدى الغرب ووصمها بالإرهاب.
وتقرأ “حماس” العلاقة الداخلية أردنيا وفلسطينا باتزان؛ فهي ترفض مقولات الوطن البديل، سواء كانت موهومة أم حقيقية. وهي ترى في نفسها سدا في وجه أي مشاريع صهيونية على حساب الأردن، ولا تتدخل في خيارات الأردنيين بمن فيهم الإخوان.
هنا يرفض مشعل أن يحسب أي طرف في الإخوان على “حماس”، وهو يسعى إلى تعزيز أجواء الحوار داخل التنظيم وخارجه. وإن كان الزميل محمد أبو رمان حلل في الجلسة الموقف الإخواني بأن الحمائم تحولوا إلى التشدد مقابل ميل الصقور إلى التساهل، فدور “حماس” أن تساهم في تعزيز الحوار والتواصل. وبرأي مشعل فإن تبنيها لموقف طرف، سواء في خلافات الإخوان أو خلافاتهم مع الدولة، سيحولها إلى طرف يستعدي فئة ويتقرب من أخرى.
لا شك أن مرحلة تأسيس العلاقة الجديدة مع الأردن بالغة الحساسية. وإن أسعدت كثيرين، فلا شك أنها تغضب إسرائيل ومن يدور في فلكها. ولذا، فإن محاولات الوقيعة والإفشال لن تتوقف. و”حماس” حريصة أن يظل التواصل قائما مهما كانت الخلافات.
وفي الزيارة الأولى الفاتحة، اقتصرت المقابلة على جلالة الملك والأمير علي ورئيسي الديوان والأركان. في هذه الزيارة التأسيسية، قابل مشعل الجميع، وكانت الأجواء إيجابية واعدة. هنا أعود للمقارنة بزيارة دمشق؛ يومها كانت “حماس” تشكو من عدم وجود أي اتصال حتى في المستوى الأمني الفني والإنساني. في المقابل، بدا نفوذ مشعل واضحا لدى مسؤولي دمشق عندما اتصل بعلي مملوك مدير المخابرات متوسطا لي بعدما طلبت لهم. كان مملوك يجيب على الاتصال مباشرة، وكان مشعل يتحدث معه بلغة ندية.
بقي في ذهني سؤال: متى سنقابل مشعل في دمشق مجددا؟
هل تريد التعليق؟