يفهم لغايات الصراع السياسي اتهام حماس بتلقي أوامر من طهران، وفي لحظات انفجار الأزمة يصعب التفريق بين السباب المبني على تفريغ مكنونات الغضب وبين المناقشة العلمية. وفي العراك تغيب الوقائع والحقائق لصالح المشاعر. أما إذا كان الحديث علميا فالقول بتبعية حماس لإيران ينم عن جهل بتاريخ الحركة وأيديولوجيتها وآليات عملها. لم تنشأ حركة حماس في مقرات الاطلاعات في طهران، حماس الداخل والخارج هي فرع من جماعة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية التي نشأت قبل الثورة الإسلامية في إيران بنصف قرن. بل إن الثورة تأثرت بأدبيات الإخوان لا العكس، فالمرشد علي خامنئي هو مترجم سيد قطب إلى الفارسية. ونواب صفوي الذي كان أول الثوار على الشاه كان ضيفا مكرما لدى الإخوان في سورية ومصر. <br/> <br/>اندفع الإخوان، كما الشيوعيون في العالم العربي في تأييد الثورة، باعتبارها انتصارا للمستضعفين في وجه قوى الاستكبار. ومع ذلك حافظوا على مسافة بدت واضحة في أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وهو ما كان من أسباب انشقاق الشهيد فتحي الشقاقي عن الإخوان وتأسيس حركة الجهاد الإسلامي. في الوقت الذي ألف فيه الشقاقي “الخميني هو الحل”، كان الإخوان يدرسون في مناهجهم “تعريف عام بمذهب الشيعة الإمامية”، وهو من تأليف الدكتور محمد أبو فارس العضو المُقال من مجلس النواب الأردني. <br/> <br/>عندما تأسست حركة حماس في العام 1987 كانت امتدادا تنظيميا وفكريا للإخوان المسلمين، ولم تكن لها علاقة تذكر بإيران أو حزب الله، فرموز حماس الداخل الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وغيرهم من الشهداء لم يسبق لهم في حياتهم أن قابلوا مسؤولا إيرانيا، أما حماس الخارج فنشأت في جو غير ودي إطلاقا مع إيران. <br/> <br/>في الخارج، كان لثلاثة مواقع دور حاسم في تشكيل الحركة: الكويت وجدة وعمان. ولم يعد سرا أن المال الخليجي القادم من متبرعين من القطاع الخاص بتواطؤ من الدول المضيفة هو المورد الأساسي الذي اعتمدت عليه الحركة. لا يوجد قياديي من حماس زار طهران أو بيروت قبل تأسيس الحركة، خالد مشعل كان في الكويت وموسى أبو مرزوق كان يدرس في أميركا مبتعثا من حكومة الإمارات. <br/> <br/>مطلع التسعينيات الماضية غدا مقر الحركة العلني عمان، واستضيف المكتب السياسي رسميا. وعندما سئل شيمون بيريز في منتصف التسعينيات لماذا تسكتون على استضافة قيادة حماس في عمان قال: “بقاؤهم في عمان أفضل من ذهابهم إلى طهران”. وفي تلك الفترة تمكن الملك حسين رحمه الله من الإفراج عن موسى أبو مرزوق وإنقاذ حياة خالد مشعل بعد محاولة اغتياله الفاشلة والإفراج عن مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين. بعد الإفراج زار الشيخ طهران! <br/> <br/>للتبسيط يمكن المقارنة بين حزب الله وبين حماس، فحزب الله ظل على خصومة مع خصوم طهران، في المقابل كانت لحماس علاقة وثيقة بخصومها وخصوصا السعودية والعراق قبل الاحتلال. فالحركة دانت إعدام الرئيس صدام حسين في المقابل احتفل حزب الله بإعدامه. وللتذكير هنأت حماس بنجاح إطلاق صاروخ العابد في بيان رسمي لأنها كانت تعتبر السلاح العراقي سلاحها في مواجهة الاحتلال. في المقابل كان موقفها لافتا في إدانة الغزو العراقي للكويت وكان ذلك بسبب وجودها الكثيف في السعودية والكويت ودول الخليج. <br/> <br/>تدرك حماس اليوم، كما بالأمس، أن إيران دولة فارسية قومية بالدرجة الأولى ومذهبية شيعية بالدرجة الثانية، وهو ما يبدو واضحا في سياستها في العراق، لكن حماس في الوقت نفسه تعتبرها حليفا في مواجهة العدوان الإسرائيلي والأميركي. وإيران، على كل الخلافات السياسية والمذهبية، تظل جزءا من أمة الإسلام. وفي اللحظة التي تهاجم فيها إيران لن تكون حماس في خندق تل أبيب وواشنطن. خصوصا أن أي عدوان على إيران سيترافق مع عدوان على لبنان وسورية وغزة. لحظتها حماس والإخوان لن ينتظروا تعليمات لا من طهران ولا من واشنطن. <br/> <br/>[email protected] <br/> <br/> <br/> <br/> <br/></p></div></h4>
هل تريد التعليق؟