يقدم الإخوان المسلمون في مصر نموذجا فريدا في المصابرة والمغالبة، في موازاة الاعتقالات اليومية والمحاكمات العسكرية يصرون على المشاركة في الانتخابات البلدية، مع يقينهم أنها ستكون مزورة مثل سابقاتها. وهو ما يدفع النظام المصري إلى مزيد من التشدد والقسوة في التعامل معهم. وبدلا من الانزلاق نحو العنف تتجذر لدى قطاعات الإخوان ثقافة مقاومة سلمية خطابا وأداء.
فالتعامل مع المحاكمات العسكرية العجيبة تم بمستويين؛ الأول قضائي من خلال الاستفادة من ثغرات القضاء المدني الأعلى والترافع أمام المحاكم العسكرية ذاتها، والثاني سياسي من خلال حملات التضامن أمام المحاكم العسكرية وفي الجامعات وأمام النقابات. كل ذلك لم يؤد إلى وقف مهزلة المحاكمات العسكرية لكنْ في السياسة أكد تفوق الضحية على الجلاد. فلا أحد في مصر أو خارجها يتعامل مع تلك المحاكمات بجدية، وينظر لها باعتبارها أداة من أدوات السلطة تستبيح بها القضاء المستقل وخصومها السياسيين في آن.
يكاد الإخوان المسلمون في الأردن أن يكونوا على النقيض من موقف الدعوة الأم في مصر. فبدلا من أن يواصلوا بناء ثقافة تغيير سلمي بعد الانتخابات النيابية، اتخذوا موقفا مرتبكا من خلال حل مجلس شورى الجماعة وإجراء انتخابات داخلية. مع أن خيار المشاركة بعد الانتخابات البلدية كان حكيما ليس بسبب الضمانات أو غيابها بل لأن المطلوب من الجماعة أن تقنع جمهورها وأعضاءها أن المشاركة في الانتخابات هدف بذاته بمعزل عن النتائج.
تماما مثل المشاركة في الاعتصام أو المظاهرة، فهل رفعت التظاهرات والاعتصامات الحصار عن غزة؟ هل أوقفت الرسوم المسيئة؟ لكنها تركت أثرا. وهو أفضل من الوقوف موقف المتفرج. في النهاية وصل ستة نواب للإخوان وهذا عدد أكثر من كاف لو اشتغلوا بطريقة ذكية وفاعلة. ويعرف الناس أن حجم الإخوان الحقيقي ليس ستة نواب. وقد جاء تقريرا المركز الوطني لحقوق الإنسان عن الانتخابات البلدية والنيابية ليعززا رواية الإخوان التي تشكك بنزاهة الانتخابات.
حتى لو كانت الانتخابات نزيهة مائة في المائة وفاز مرشحو الإخوان جميعا المعلنون والسريون وصار للإخوان ثلاثون نائبا في المجلس، فماذا هم فاعلون؟ سيظل دورهم مقصورا على المعارضة الفاعلة، ولن يتمكنوا من إقالة حكومة أو تشكيل حكومة أو تمرير تشريع أو وقف تشريع، لو كانوا ثلاثين هل كانوا سيوقفون قانون الموازنة؟
فاز الإخوان بستة نواب وهم أقل الكتل عددا، لكنهم ما يزالون في الإعلام يعاملون بحجمهم الحقيقي قوة سياسية أولى في البلاد. وليس أدل على ذلك من اهتمام الإخوان بالانتخابات الداخلية. ومع أنها لن تخرج بنتائج دراماتيكية إلا أنها تقدم مؤشرات مهمة. أولها أن الضغوط على الإخوان تعزز التشدد. فحل مجلس الشورى عبّر عن وجهة نظر متشددة. والأكثر من ذلك أن أمين عام جبهة العمل الإسلامي تقدم -وهو ابن الزرقاء- في عمان على شخصيات وازنة في الجماعة مثل الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني، الذي يعتبر داعية على مستوى وطني قبل أن يكون شخصية قيادية في الجماعة. والأهم من ذلك أن المراقب العام السابق عبد المجيد ذنيبات لم يجد فرصة للترشح في الشعبة ذاتها.
الفضل في فوز بني ارشيد يعود بالدرجة الأولى للحملة ضده، والتي أوجدت له متعاطفين وأنصارا من داخل الجماعة وخارجها. فالهيئة الإخوانية الناخبة لا تقبل أن يقال إنها رضخت للحملات التي تعرض لها الرجل. وبنفس الوقت أرادت أن تحتج على السياسة التي مثلها المراقب العام السابق الذي صوّت للموازنة في الأعيان في الوقت الذي صوّت ضدها رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة في النواب. وفي الوقت الذي أصدرت منظمة هيومان رايتس ووتش الأميركية تقريرا ناريا عن جمعية المركز الإسلامي لم يسمع له صوت وهو الذي ولاه الإخوان مسؤولية ملف الجمعية.
مقابل فوز بني ارشيد خسر علي أبو سكر أمام موسى هنطش، مع أن أبو سكر له حضور سياسي وإعلامي سابق على بني ارشيد ومتفوق عليه. وهو ما يؤكد أن الهيئة الإخوانية الناخبة لها معاييرها الخاصة التي لا تستجيب للضغوط. فانتخابات الإخوان ليست مثل انتخابات الحزب الديمقراطي في أميركا يسجل الناخب في الحزب وينتخب في اليوم ذاته، الناخب في الإخوان يكون قد أمضى سنوات ودفع اشتراكات وحضر اجتماعات تعادل الحصول على درجة دكتوراه من جامعة معترف بها.
يحكم على الانتخابات بعد اكتمال النتائج في جميع الدوائر، والراجح أن لا تكون ثمة مفاجآت، وستكرر القيادة السابقة. أيا كانت القيادة الجديدة عليها أن تستفيد من الدرس المصري. فالدولة ستظل تعامل الإخوان باعتبارهم تنظيما غير مرحب به، ويعامل على مضض. وإن كانت الدولة لن تتغير، على الإخوان أن يتغيروا باتجاه مزيد من ثقافة التغيير السلمي القائمة على المصابرة والمغالبة. وليحمدوا الله أن قيادتهم لم تجد نفسها في محكمة عسكرية قائمة على التأجيل ولا تصدر أحكاما؛ كما يحدث في مصر الآن.
هل تريد التعليق؟