يعتقد كثيرون أن وسائل الإعلام تقوم بدور وزارة السياحة في الترويج، وتنافس شركات السياحة والفنادق في رسم صورة زاهية للبلاد التي تصلح أن ينفق فيها ما ادخر خلال العام. جزء من ذلك صحيح، لكن لا يأتي في إطار الترويج الدعائي بل في سياقات صحافية موضوعية لها فكرة وتستحق أن تظهر على الشاشة. فمثلا عندما تتحدث عن مخطوطات البحر الميت تأتي بأجمل الصور عن البحر. هذا ليس ضربا من التجميل الدعائي بل هو من جماليات العمل الصحافي.
وتصرف الدول موازنات ضخمة من أجل الترويج، وكذلك الشركات، ومن أبسط أخلاقيات العمل الصحافي الفصل بين الإعلان والإعلام، ففي الأول يمكن اللجوء إلى الأساطير والخرافات وممارسة الخداع البصري، وفي الثاني من المحظورات استخدام ذلك. فمثلا يمكن أن تقول في دعاية عن مدينة “من هنا بدأ التاريخ” مع أنه قد يكون بدأ من مكان آخر. أو أن تصف شعبا بأنه كريم، وهو معروف بالنصب على الضيوف واستلاب أموالهم بالباطل.
صورة الأردن في الإعلام جميلة وفي ازدياد أعداد السياح مؤشر على ذلك، ولا داعي للخلط بين الترويج الدعائي والعمل الصحافي. في المقابل يكثر الحديث عن تشويه صورة الأردن. خصوصا في أجواء التوتر السياسي. كما حدث في الانتخابات الأخيرة. فصور التظاهر وإحراق الإطارات والأشجار وتكسير الممتلكات قدمت صورة سلبية وبدا البلد وكأنه ثكنة.
لا شك أن الأفضل لصورة البلد أن تُخفى تلك الأحداث. لكن في المقابل، تلك الصور على سلبياتها تظهر قدرا من الحرية النسبية التي يتمتع بها المواطن. فالتظاهرات والاحتجاجات تنقل من بلدان تتمتع بقدر من الحرية، أما البلدان الشمولية فلا تسمح بالاحتجاجات ولا تصور إن حدثت. ويمكن المقارنة على سبيل المثال بين التمرد الذي شهدته السجون الأردنية وكيف وثق وصور إعلاميا، والتغييب الكامل الذي شهده تمرد سجن صيدنايا مع أنه كان أعنف، والضحايا أكثر بكثير.
نحتاج إلى التذكير بالبديهيات، فالصحافة لا تقيم أعراسا ولا مآتم. هي تحاول أن تنقل بأمانة ودقة ما يحدث. وفي الانتخابات الأخيرة شهدنا عنفا غير مسبوق ولا معتاد، وهنا لا أبحث في أسبابه ولا طرق علاجه، في الوصف لم نشهد عنفا امتد على هذه المساحة ولا بهذه القسوة على الذات من قبل. وللمرة الأولى وجدت نفسي في الأردن في مواجهة هياج المؤازرين المتعصبين بشكل أعمى. توجد احتجاجات محقة وجمهور يشعر بالغبن، في المقابل يوجد مرشحون أثروا بشكل غير مشروع واستغلوا ثرواتهم في تحشيد أتباع، بناء على عصبيات سخيفة. وفي الأتباع يوجد أسوأ ما أخرجته العائلة أو الجوار. وهؤلاء يتوزعون بين مراهقين فاشلين وزعران متفرغين. وفي لحظات التوتر يتصدرون ويتقدمون ويتلطى بهم المرشح.
هذا الخراب الذي ضرب بنيتنا الاجتماعية لم يوثق إعلاميا، وهو يعكس تشوها في الواقع لا في الصورة فقط. أما كيف تم ولماذا استشرى فتلك قصة أخرى.
هل تريد التعليق؟