مقالات

حول كذبة الإصلاح والإصلاحيين

في السياسة لا يوجد نوايا حسنة ولا سيئة، توجد مواقف علنية ملزمة وقرارت تنفذ على الأرض. يستثنى الأردن من هذا المعيار البديهي. ويستعاض عنه بالدعاية والإبهار القائم على افتراض حسن النية. ولذا تغدو لازمة ” الإصلاح والإصلاحيين” قسما ملحقا بمديرية التقاعد يدخل فيه حكما المسؤولون المغادرون.

 وإن كانت الدعاية لا تخلق وقائع والمسؤول على رأس عمله فمن باب أولى ألا تفيده وهو خارج المسؤولية. ويدافع عنها باعتبارها تطويرا لثقافة حسن العزاء وذكر محاسن الموتى. والواقع أنها من أسوأ اشكال الدعاية التي انقرضت من العالم الحديث وازدهرت في بلادنا.

اشتهرت مقولة وليام سافير الكاتب الأميركي “اضربهم وهم واقفون”  في الغرب الذي كان يستقوي على المسؤول عندما يضعف. عكست المقولة في بلادنا “اضربهم بعد أن يقعوا” . حتى هذه لم تستمر “لا تضربهم إطلاقا فلا تعلم متى يعودون”. فالمسؤول الأردني  يصطحب جواله إلى القبر أملا في أن يرن مبشرا بالعودة.

لا تصنع الدعاية منتجا، هي مثل شركات النصب ولاحتيال التي أطلقت على نفسها “البورصة العالمية”، مع أن بعض المكاتب عندما دوهمت لم يكن فيها خط إنترنت ! إلا أنها تحقق نوعا من السكينة الخادعة لصاحبها كمن يرتاد المشعوذين.

 يضربون وهم واقفون  وبعد أن يضعفوا ويغادروا، ولا داعي للشعوذة والنصب والاحتيال وترويج أكاذيب الإصلاح. فهو ليس برنامجا معقدا لا يستطيع قراءته إلا من يتقنون لغة أوراكل. له ثلاثة ملامح يمكن للراعي أن يرصدها. سواء كان المسؤول راحلا أم مقيما. ويمكن أن يتحلى المسؤول بالشجاعة الأدبية ويقول “أنا لست إصلاحيا أو لا أقوى على الإصلاح”.

أولا؛ النزاهة ومحاربة الفساد. لا يوجد أحد في الأردن يريد دولة اشتراكية أو دولة رعاية، لكن الكل يريد وفي إطار التكيف مع الاقتصاد العالمي الجديد دولة النزاهة والاستقامة. ولا يقبل في بلد فقير أن يحقق مسؤول دخلا مليونيا في شهر لا يستطيع تحقيقه في وظيفته ولو خدم أربعين عاما ولم يصرف قرشا. والأردن بلد صغير جدا لا يحتاج إلى إعلام ليعرف كم مسؤولا أثرى بشكل غير مشروع هو وزوجته وأبناؤه وأقاربه.  كل من أثرى من الوظيفة العامة فاسد، وكل من استقام في وظيفته إصلاحي.

ثانيا؛ الإصلاح السياسي.  لا ينقصنا مبادرات تشخص الواقع وتضع الحلول، آخر المبادرات الجدية كانت الأجندة الوطنية. وفي اللجنة السياسية التي ترأسها  طاهر المصري  وضمت نخبة سياسية متنوعة من عبداللطيف عربيات إلى مصطفى الحمارنة خلصت إلى أن الإصلاح هو إصلاح قانون الانتخابات. ووضعت إطار نقاش محترم  تستطيع أي حكومة صياغة قانون انتخابات بناء عليه.

أين “الإصلاحيون” من  قانون الانتخابات؟

ثالثا؛ حرية الصحافة. فقد حققت تقدما في ظل التراجع الذي حاق بالديموقراطية، يعود ذلك لجملة أسباب أبرزها التطور الكوني في مجال الاتصالات، فالفضائيات والإنترنت حطما  قيودا فرضها التخلف في القوانين والإنظمة والممارسة.  وبقدر ما لحق بمهنة الصحافة من تشوه من خلال “القوة الناعمة” القائمة على العطايا والامتيازات، برزت صحافة مستقلة لا يغريها ذهب المعز ولا يرهبها سيفه.

وفي الأردن الصغير يمكن رصد موقف كل مسؤول  من الصحافة  سواء من حاول ترويضها رغبا ورهبا أو من احترم دورها النقدي المحاسبي.

 في ضوء المعايير الثلاثة، وغيرها .. يمكن أن نتبين  “كذبة الإصلاح والإصلاحيين”.

هل تريد التعليق؟