مقالات

خريطة طريق الثورة في مصر

أخيرا، ظهر الرئيس المصري المؤقت، عدلي منصور، على شاشة التلفزيون المصري، ليؤكد بعد شهرين أن ما جرى في 30 يونيو لم يكن أكثر من انقلاب، أعاد البلاد 40 عاما إلى الوراء. منصور بدا في اللقاء منفصلا عن الواقع تماما، ويتحدث بلغة محفوظة يرددها بدون قناعة بها. لم يُثبت لمرة واحدة أنه رئيس، وفي اللقاء أكد أنه غير ذي صلة، مجسدا طرفة يتداولها المصريون مضمونها أن الانقلاب جعل كل الشعب المصري يتدخل في السياسة، باستثناء الرئيس.
أثناء بث المقابلة، كان المتظاهرون يملأون شوارع القاهرة والمدن المصرية الأخرى بعد شهرين من الانقلاب، في ظاهرة عالمية لم يسبقها غير الثورة الإسلامية في إيران. تواصلت التظاهرات وما تزال، منذ شهرين، على الرغم من قتل 5 آلاف مصري بحسب نقابة الأطباء المصريين، واعتقال قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وأكثر من عشرة آلاف من أنصار الشرعية ومعارضي الانقلاب.
يتحدث منصور عن خريطة طريق لم تقنع نائبه وممثل “ثورة 30 يونيو” محمد البرادعي، والذي استقال محتجا. وفي الواقع، لا خريطة طريق للعسكر سوى المزيد من عسكرة الحياة المدنية؛ من قضاء وإعلام وبيروقراطية.
لم يحدثنا الرئيس السابق للمحكمة الدستورية عن التعديلات الدستورية التي تؤسس للمرة الأولى في تاريخ البشرية لحكم رجال العسكر. وتبدو التعديلات نسخة عن الدستور الإيراني، مع استبدال “آية الله العظمى” بـ”الفريق الأول”؛ إذ لا تملك قوة مدنية، ولو كانت علمانية، وفازت بمئة بالمئة من المقاعد والرئاسة، تغيير وزير الدفاع، فهذا من اختصاص “مجلس البطاركة” أو “مجلس آيات الله” الذين تعلو سلطتهم على سلطة الشعب. باختصار، وفي الواقع، فإن “الجيش مصدر السلطات”. وقد أُقرت هذه الحقيقة في دستور لجنة الخمسين التي عينها العسكر أيضا.
في إيران، حقق رجال الدين مكانة دستورية بسبب تضحيات هائلة قبل الثورة وفي غضونها وبعدها. وحصل الدستور الإيراني، في استفاء حقيقي، على تأييد أكثر من
90 % من أصوات الإيرانيين. واستُقبل الخميني من قبل ملايين الإيرانيين بعد عودته من باريس، وودعه مثلهم إلى مثواه الأخير. مع ذلك، يوصف الدستور الإيراني بأنه ثيوقراطي، وأنه صادر باسم الدين والثورة حقوق الشعب الإيراني في الاختيار.
رجال العسكر في مصر لم يثوروا في تموز (يوليو) 1952، ولا علاقة لهم لا بعبدالناصر ولا بالسادات ولا بمبارك؛ هم رجال أعمال أكثر منهم رجال حرب. في تموز (يوليو) 1952، كان الإخوان شركاء في الثورة، وكان معظم الضباط الأحرار من الإخوان. وكان من أسباب خلافهم مع عبدالناصر انحيازهم إلى اللواء محمد نجيب في رؤيته الديمقراطية الدستورية. لكن عبدالناصر لم يكرس دستوريا حكم العسكر، وتحول إلى قائد مدني لا ضابط، وكذلك من خلفوه. الجيش في عهد مبارك تحول إلى مؤسسة مالية ضخمة؛ لها استثمارات تسيطر على 40 % من القطاع الخاص، بعيدا عن الرقابة.
عدلي منصور أكد في المقابلة ما كان مؤكدا، وأظهر أنه ليس أكثر من واجهة لخريطة طريق عسكرة الحياة المصرية. في المقابل، أثبت شعب مصر أن لديه خريطة طريق أخرى، وهي استعادة ثورة “25 يناير”. ولم يعد الإخوان وحدهم؛ لقد استهدف  شباب الميدان الثالث، واستشهد ستة منهم برصاص الجيش، وهم من خصوم الإخوان.
لم تعد القضية عسكر وإخوان؛ بل صارت عسكرا وثوارا. والنصر على المدى البعيد للثوار. إنه درب طويل شاق مكلف، قُطع منه شهران، والثورة في إيران أخذت 14 شهرا.

هل تريد التعليق؟