من أكثر التنظيمات جذبا للجيل الشاب تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام “(داعش) فذلك التنظيم قادر على جذب كثير من الشباب العراقي والسوري، ناهيك عن الخليجي ودول المغرب العربي والأردن وفلسطين والمهاجر الأوروبية. وعلى شبكات التواصل الاجتماعي في الفيس بوك والتويتر يمكن ملاحظة قوة التنظيم سواء في توثيق عملياته وبثها أم في السجالات الفكرية والسياسية.
هذا الحضور للتنظيم يعبر بالدرجة الأولى عن فشل الدولة في العراق وسورية، والعالم العربي عموما، بقدر تعبيره عن فشل التنظيمات الإسلامية. فالدولة قبل أن تكون عربية أم إسلامية أم اشتراكية .. لا بد أن تكون دولة؛ وبمعزل عن هويتها أو مضمونها الفكري والسياسي هي آلية حديثة اخترعت بعد تراكم تجارب وخبرات أجيال من البشر. آلية مثل السيارة لا بد أن يكون لها هيكل ومحرك وطاقة وعجلات، أما تسميتها فيمكن أن تسمى مارسيدس وممكن أن تسمى كاديلاك، وممكن أن يسوقها رجل أو امرأة، هندي أم إنجليزي.
هذا الوصف المدرسي الذي يصلح للمرحلة التعليمية الأساسية من الصعب إقناع أنصار داعش به. فهم مقتنعون بأنها دولة “باقية وتتمدد” وأنها تحكم مساحات شاسعة تتجاوز مساحة لبنان وقطر. يحدثونك عن مئات الأميال التي تقطعها ولا ترى فيها غير راية الدولة، وبلغ الحماس بهم قبل مدة أن فكروا في إعلان الخلافة من خلال انضمام تنظيمات إسلامية لهم في مجاهل الصومال ومالي ونيجيريا وسيناء. وفي إصدار لهم قبل شهور حمل اسم “وليمكن لهم دينهم” تحدثوا عن قتل ساحر في ريف حلب (نعم قتل ساحر!) ودفع مبالغ مستحقة في فض نزاع بين زوجين وغير ذلك من أحكام تطبيق للشريعة.
على امتداد العالم الإسلامي شباب في عمر الورود يشعرون بالاغتراب في دولهم ومجتمعاتهم يرون في الدولة المزعومة تجسيدا لآمالهم في تجسيد قيم الإسلام في الحرية والعدالة والأمن والرفاه. وعندما يصلون إليها يكتشفون الحقيقة المرة؛ أنها مجرد فصيل مسلح لا يملك أيا من مقومات الدولة. وهم مجرد قنابل بشرية لخوض صراعات صغيرة على النفوذ، ووظيفتهم الأساسية تحرير المحرر، والاستيلاء على الموارد من آبار نفط وغاز ومصانع وصوامع حبوب وغيرها.
الدولة الحديثة لها تعريف واضح ومحدد، فدولة جنوب السودان مثلا التي كانت تحظى بدعم دولي لم تصبح دولة إلا بعد استفتاء أعقبه اعتراف دولي بها. والإمارة الإسلامية في أفغانستان اعترف بها أمرا واقعا في المجتمع الدولي لأنها سيطرت على معظم أراضي الدولة الأفغانية والعاصمة كابول ولم يعد للدولة الآفلة غير جيب في وادي بانشير. في الصراع العربي الإسرائيلي ومع كل هيمنة إسرائيل العسكرية ونفوذها في الغرب ما تزال دولة تحتل أراضي غيرها، وحدودها مع الأردن في الأراضي المحتلة عام 1967 غير معترف بها دوليا إلا كنقطة عسكرية.
أين الدولة الإسلامية العراق والشام ؟ المالكي يهجر السنة من بغداد في وضح النهار ويستعد لولاية جديدة، بشار الأسد هجر نصف الشعب السوري ويستعد لولاية جديدة. لو أن من يبايعونه “أمير المؤمنين” يحكم حاضرتي العباسيين والأمويين لما كان المالكي ولا كان بشار، ولا كانت إسرائيل، ففلسطين هي جنوب بلاد الشام، أو سورية الجنوبية بحسب ما كان يعرفها أهلها بعد انهيار الدولة العثمانية.
لا تتوقف الكارثة عند وهم الدولة بل في وحشية التنظيم الذي يحمل اسمها، فما ارتكبه من مجازر بحق الأهالي والثوار من مخالفيه جعل نظامي المالكي وبشار يظهران أمام العالم بأنهما تعبير عن مجتمع متوحش سلطة ومعارضة. وتمكنت داعش من تشويه صورة واحدة من أنصع الثورات في تاريخ البشر. وهو ما عجز عنه بشار قبل “تمددها” في الشام.
هل تريد التعليق؟