مقالات

دفاعا عن الأرصفة لاعن الزيتون

يقال ان للشره ثلاث لقم؛ لقمة في الفم وثانية باليد وثالثة عينه عليها. في تصميم كثير من بيوت عمان تجد هذا الشره. فالبيت يوسع بالقرميد على حساب الارتدادات ويلحق به الرصيف حديقة أمامية. مع أن الرصيف حق للمشاة لا يحق لصاحب البيت زرعه زيتونا أو نخلا. وقبل أن نتحسر على الشجر الصريع في الطرقات علينا أن نتذكر كم من طفل قضى تحت عجلات السيارات بسبب ضيق الرصيف.

كتبت قبل حملة الأمانة على الزيتون عن زراعة الأرصفة، وأسوؤها الزيتون نظرا لامتداد شجرته أفقيا والحساسية التي يسببها. وعجبت من حساسية الناس لزيتون مهمل في الطرقات وإهمالهم للزيتون الروماني الذي نزع من مواطنه لتزين به فنادق وقصور ومطاعم عمان. ذلك زيتون يستحق أن تؤسس له محميات تزار تروي علاقة الإنسان بأرض التين والزيتون.

 لا خوف على زيتون الأردن، ليس بسب الغيرة الوطنية عليه، وإنما بسبب عوائده الاقتصادية. فقبل ثلاث سنوات صدرنا لإسبانيا زهاء مليوني دينار من زيت الزيتون الفاخر. الخوف هو شيوع الثقافة الأنانية والشراهة التي تنكر حق العامة في أرصفتهم وحدائقهم وغاباتهم. في المقابل تجد بيوتا تزرع أحواضا جانبية ملتصقة بالجدران ورودا ونخلا أجمل من الزيتون ولا تعتدي على المشاة بل تؤنس سيرهم.

 في المدن العريقة؛ غرناطة وقرطبة ودمشق وغيرها  يحتضن البيت الحديقة. والورد يتدلى من الخارج يلوح للمارة ولا يزاحمهم في أزقتهم. من حقنا أن نحلم بمدن مشاة تركن فيها السيارات بعيدا ويتحرك الناس فيها يتبادلون السلام  بدلا من مزامير السيارات وضجيجها. نحتاج إلى فلسفة بناء إنسانية تعلي من قيمة البشر لا الحجر. لا يخص ذلك الأغنياء في مجمعات القصور بل الفقراء إليها أحوج. ففي الأحياء الشعبية الفقيرة والقرى تقل نسبة السيارات وتتسع العلاقات الاجتماعية في الطريق والجوار.

 يكفي شطحا! حتى يتحقق الحلم بمدن تحتفي بالإنسان علينا فورا أن نطالب باسترداد الأرصفة والحدائق وكل ما هو عام. وإن قصرت الأمانة باسترداد ما لنا، على الناس أن تعتصم وتتظاهر وتسد الطرقات. المولعون بالزراعة عليهم أن يهتموا بأراضيهم الزراعية المهجورة، عليهم الاعتناء بحدائق منازلهم وتوسيعها على حساب غرف الضيوف التي لا يدخلها أحد، ليزرعوا حدائق للحي أو يتبرعوا من أراضيهم وأموالهم بحدائق.

لا زيتون يزاحمنا أرواح أطفالنا وصحتنا أهم من “قطرميز زيتون”. والأسوأ من ذلك الاستغلال التجاري من المطاعم والمقاهي التي تجتاح الرصيف بغير حق. ثقافة المشي تحتاج إلى رصيف بقدر ما تحتاج إلى شجر وخضرة. ولا بأس أن يكون الجدار الخارجي كله شجرا. فتتنفس السابلة هواء نقيا مصفى لا غبارا ودخانا.

رحم الله زمانا كانت فيه الخضرة جزءا حيويا من البيت. ومن دون الشركات الزراعية التي تصمم وتزوق وتعنى بالحدائق كانت سيدات البيوت يتنافسن في زينة الحدائق والأحواض بعيدا عن الأرصفة. من أجمل ما وثقته كاميرا المعماري عمار خماش ” قصايل معان” ففي تلك الواحة الصحراوية في الأيام الخوالي أبدعت يد الإنسان جنانا صغيرة استغلت شحيح المياه والتربة القاسية لتنتج رمانا كان يتغزل به  باعة الخضار في دمشق “وفي القصيلة نعنع فواح وقرايص  وأشياء صغيرة مدهشة. تجد شرحا لها في سيرة يوسف العظم وفي كتاب المؤرخ الموسوعي خير الدين الزركلي “عامان في عمان”.

 تنعكس نفسياتنا وأفكارنا على أماكننا؛ بيوتا وشوارع ومحالا وحدائق، في عمان اليوم، نزاع بين مجتمع شره جشع وبين مجتمع محروم مضغوط.  والشره تخنقه التخمة والمحروم يسحقه الجوع. لنفكر في إيجاد توازن فينا ينعكس على البنيان والمعمار، فيحدب الناس على بعضهم في جوار تتحقق فيه العدالة الممكنة لا المساواة المستحيلة. والعدالة تقتضي أن يعود الرصيف لأصحابه. وللزيتون مأوى في مزارع  نلوذ إليها إن أضنانا الشوق.

هل تريد التعليق؟