تُكتب رواية حزينة في مصر بالدماء. من اليوم الأول للانقلاب، كتبت أن عنوانه هو مجزرة النهضة. ويبدو أن المخطط الانقلابي درس جيدا تجربة بشار الأسد، وخرج بدرس أن المجازر هي الأداة الحاسمة لإدامة الحكم؛ المجازر التي لا توفر أحدا، بمن في ذلك الأطفال. وبعد ارتكاب المجزرة وقبلها، يمكن التعتيم ما أمكن، والتكذيب ما أمكن، وفي النهاية لو ثبتت لا أحد يحاسب، في ظل قضاء فاسد برأ كل القتلة في ثورة 25 يناير.
ليس أخلاقيا اليوم الحديث السياسي عن أخطاء الرئيس محمد مرسي أو إنجازاته؛ فما حصل هو انقلاب جاء بنظام أبشع من نظام حسني مبارك، وأكثر دموية منه. لقد ظل المعارضون لمرسي يرمون قصر الحكم بـ”المولوتوف” ولم يمسهم سوء؛ وأحرقت مقرات الإخوان المسلمين وقُتل شبابهم، ولم يُمس الجناة بسوء. سموها ثورة 30 يونيو ليمسحوا الخطأ التاريخي في 25 يناير. وفي الثورة المزعومة لم يقدم “الثوار” شهداء ولا معتقلين، بل قدمها الطرف الآخر، وما يزال.
لم أكن شخصيا أتوقع احتراف الجيش في الانقلاب، وكنت أعتقد أن ثمة مبالغات من المتعاطفين مع الشرعية. أول من أمس استمعت لشهادة الزميل بسام بدارين، مدير مكتب “القدس العربي” في عمان، وهو مختلف مع الإخوان ولا يطيق مرسي، وكان شاهدا من فندق قصر النيل. يقول إنه كان يشاهد ضياء رشوان وعمرو أديب يتحدثان عن الحشود أمام الفندق، ويبثان صورا مباشرة للحشود، وعينه لا ترى ذلك! فهل يصدق عينه أم كاميرات التزوير؟
التزوير الذي نشرت تفاصيله صحيفة “الديلي تيليغراف”، من خلال استعانة وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي بالمخرج خالد يوسف، يكشف أن الانقلاب لم يكن نتيجة تصاعد الأزمة، بل إن تصعيد الأزمة كان جزءا من مخطط الانقلاب. منذ متى تقوم القوات المسلحة بالتصوير للتلفزيونات الخاصة، والتي تقوم بدورها بالقص واللصق والإخفاء؟!
ما فوق التزوير هي محاولة إطفاء الكاميرات لتنفيذ الجريمة. مباشرة بعد خطاب الانقلاب الذي بدا فيه السيسي مرتبكا وضعيفا مثل “القادة المحيطين به”، قُطع البث عن القنوات المؤيدة للرئيس الشرعي، وصودرت كاميرات “الجزيرة” وأجهزة البث، وشاهد الأميركيون مراسل الـ”سي. إن. إن”، بن وودمان، يُقطع البث عنه ويطرد، لأنه كشف على الهواء ميدان التحرير خاويا.
لكن ما لم يتعلمه العسكر من بشار، هو أن من المستحيل إخفاء الجريمة، وأن كل مواطن قادر على توثيق الجريمة وبثها. فبعد انقطاع البث، تحولت شبكة رصد في مصر إلى المصدر الأول للمعلومات والفيديوهات، وهي شبكة أسسها شباب ثوريون في سياق ثورة 25 يناير.
في المؤتمر الصحفي للناطقين العسكريين والشرطيين في مصر، استُكملت الفضيحة بمحاولة الناطق الشرطي استغلال جو الأكاذيب لتبرئة الشرطة المصرية المظلومة، مع أنها هي من قتلت مفجر ثورة 25 يناير، خالد سعيد، وبرأها القضاء الفاسد واتهم الشهيد بأنه قتل نفسه بابتلاع المخدرات. وفي الوقت الذي كانت تُسرد فيه أكاذيب تشبه إلى حد بعيد المؤتمرات الصحفية التي كان يعقدها وليد المعلم، كانت صحيفة الشروق تنقل شهادات الجيران التي تتطابق مع رواية الضحايا، بأن الجيش هو من بادر بالقتل.
لقد تورط الجيش المصري في دماء المصريين من قبل، وهو الذي قام بانتهاك حرمة الحرائر (وهن من خصوم الإخوان) من المصريات بذريعة ” فحص العذرية”. وكان من مآخذ كثير من الثوار على “الإخوان” أنهم لم يحاسبوا الجيش على انتهاكاته، وقدموا له كل ما يريد في الدستور والموازنة.
هل تريد التعليق؟