ينتظر السوريين كثير من الدموع والدماء، بعد كل تضحياتهم التي زادت على خمسة عشر ألف شهيد، وأضعافهم قضوا في مواجهات الثمانينيات. فالنظام يفتقد العقل والخلق معا، وهو لن يتورع أن يكرر مجازره في أي مكان، فكيف وقد انتقلت المواجهات العسكرية إلى قلب دمشق؟ وها هو سفيره المنشق في العراق يخبرنا بأنه مستعد لاستخدام السلاح الكيماوي.
رحلة شاقة لكنها في آخر محطاتها؛ فالجيش الحر يضرب في قلب دمشق التي لم تكن يوما غائبة عن الثورة، بل هي تنافس درعا في لحظة البداية؛ فيها كانت أول مظاهرة في 15 آذار 2011، وفي درعا سال أول الدم في 18 آذار 2011. وبموازاة ضربات دمشق، يضيق الخناق الدولي على عنق بشار، ولم يعد العالم قادرا على تحمل “الفيتو” الروسي، وسيبدأ تحركا دوليا آخر بمعزل عنه. وإيران تحاول بكل الطرق فتح حوار مع المعارضة، وخصوصا مع الإخوان المسلمين، تحضيرا لاستبدال الأسد الذي أيقنت أنه لن يكمل العام، حسب ما صرح قاسم سليماني، المسؤول عن سورية ولبنان والعراق وفلسطين في الحرس الثوري، لقادة حزب الله.
في الأثناء التي يحاول الإيرانيون تقليل خسائرهم “لساحة أساسية من ساحات الصراع مع العدو الصهيوني”، تسعى روسيا إلى رفع سعرها. وهي ستبيع بشار لكن ليس بأبخس الأثمان.
ذلك كله ليس مهما؛ المهم هو الصمود الملحمي لشعب سورية، وإبداعه في الثورة سلما ومقاومة مسلحة. وشعب كهذا لن يهزم، ولولا وجود إسرائيل على حدوده لنجحت ثورته في الأشهر الأولى. كل سوري يدرك أن دماء أبنائه تسفك بسبب تمسك إسرائيل بنظام الأسد الذي لن يوجد من يحمي حدود إسرائيل مثله. ويدرك السوريون أن إسرائيل وحلفاءها يريدون تدمير سورية قبل التغيير، حتى تنشغل بنفسها ولا يكون لها دور فاعل مستقبلا.
دمشق تتحرر، ومن يملك العاصمة يملك سورية. وبإمكان العصابة الحاكمة أن تهرب إلى الجبال، لكنها لن تجد مكانا لها في دمشق.
ليس مثل أهل دمشق يشعرون بالاغتراب في ظل النظام الطائفي الشمولي، وقد تعرضت مدينتهم للاغتصاب والتشويه في ظل سياسة منهجية ظاهرها الاشتراكية والعدالة، وباطنها حقد طائفي وطبقي. ولم تسلم حتى جامعة دمشق العريقة من التطييف البغيض. تلك الجامعة التي خطب عصام العطار فيها بعد انقلاب البعث في العام 1963، في نبوءة تصف اللحظة الراهنة: “إنّني أُعلن لكم، ولشعبنا كله، بغاية الصراحة والوضوح، رفضيَ لهذا الانقلاب، ولأيّ حكم دكتاتوريّ عسكريّ أو مدنيّ ينشأ عنه، واستمساكي بالحكم الديمقراطي الدستوري. وأقول لأصحاب الانقلاب القائم ومَنْ وراءهم، ولكل مواطن عاقل شريف: إنّ الذين يسلبون شعوبهم حريّتها وإرادتَها وقرارَها، يسلبونَها روحَها وحياتَها وكرامَتها وقدرتَها على التحرّر والتقدّم وبناء أيّ مستقبلٍ كريم، ويقتلونَها، ويقتلون حاضرَها ومستقبلها، وإن ادّعَوْا -واهمين أو كاذبين مخادعين- أنهم يُريدون لها الحياة”. تحققت نبوءة العطار، لكن أهل دمشق قادرون على تصحيح التاريخ. وقريبا، ستتزين المرجة للفاتحين المحررين، ولا عزاء لأيتام بشار.
هل تريد التعليق؟