كم بدا عبدالحكيم الحفاظي (مرافق سابق لبن لادن) أميرا حقيقيا وهو يعلن أنه أحد المشاركين في ثورة الشعب الليبي، وأنه لم ولن يقيم إمارة إسلامية في درنة، وأنه يسعى كما الشعب الليبي إلى إقامة دولة العدل والحرية بحسب تصريحاته للجزيرة. إن الحركة الإسلامية الليبية، وخصوصا التيار الجهادي فيها كانت صاعق الثورة الليبية. فشهداء سجن أبو سليم هم من التيار الإسلامي، وذلك لم يحولهم إلى طواويس تزهو بما قدمت من قبل ومن بعد.
وكباقي التيارات الجهادية، لم تنشأ الجماعة الليبية المقاتلة في ظروف العدل والحرية، نشأت في ظل نظام دموي انقلب على الديمقراطية بدعوى إقامة الوحدة العربية. في الذاكرة شهداء الإخوان وحزب التحرير، وفي المشهد كان اختطاف النصر الديمقراطي الذي حققته الحركة الإسلامية في المغرب، سواء الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر أم حركة النهضة في تونس.
لم ترتكب الجماعة مجازر بشعة، قامت بمحاولة اغتيال القذافي، وهي محاولة لو نجحت لجنبت البلاد كثيرا من المجازر والدماء. وقبل محاولة الاغتيال لم يكن القذافي حاكما رحيما أو متسامحا، فقد ولغ بالدماء منذ تذوق طعم السلطة، ولم يقم وزنا للحياة البشرية. وبعد أربعة عقود من حكمه الدموي، شاهد العالم فظاعاته عيانا. وقبل محاولات الجماعة لاغتيال القذافي، فشلت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا (أكثريتها إخوانية) في اغتياله في الثمانينيات، وأعدم قادتها على شاشة التلفزيون في شهر رمضان المبارك.
للتاريخ، قام سيف الإسلام القذافي بجهد حقيقي للمصالحة مع الجماعة، ودخل بالاستعانة بعلماء مستقلين مثل علي الصلابي بحوارات جدية معها، أفضت إلى مراجعات، عبر عنها أميرها عبدالحكيم بلحاج، وهي تختلف تماما عن مراجعات الجماعة الإسلامية في مصر التي جرت تحت سياط أمن الدولة، وتمكن من الإفراج عن معتقليها. وقبلها أفرج عن معتقلي الإخوان المسلمين وسمح بعودة مهجريهم. ولو مضت ليبيا إلى نهاية الشوط في المصالحة والتحول الديمقراطي، لجنبت البلاد حمام الدم. لكن تغلب في النهاية الطبع الدموي للقذافي على تطبع ابنه.
بالنتيجة، تأكد أن مراجعات الجماعة جدية وناضجة، ومن موقع القوة يقول أميرها إنه يسعى لدولة العدل والحرية، وهو ما يتطابق مع اسم حزب الإخوان المسلمين في مصر “العدل والحرية”. فهل باع الإسلاميون في مصر وليبيا وتونس مشروعهم وتنكروا لدماء شهدائهم؟ كلا، فالمشروع الإسلامي ليس نوبات صرع كالتي تمس القذافي، بل هو تجسيد لأشواق الإنسان العربي وتطلعات الأجيال الشابة. في استطلاع “غالوب”، تبين أن 94 % يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية، و100 % يرون أن للدين دورا أساسيا في حياتهم. وفي مشهد سقوط مبارك المهيب خرت الملايين سجّدا شكرا لله في ميدان التحرير.
إن الشريعة الإسلامية، والإمارة الإسلامية، والدولة الإسلامية.. وغير ذلك من أسماء، جوهرها الحرية والعدل. وقد سقطت كل محاولات بن علي ومبارك والقذافي في تخويف العالم من “الإخونجية” و”القاعدة”. فالثورة في المنشأ والمآل ثورة شعوب تسعى في حياة طبيعية، والإسلاميون جزء من هذه الشعوب، ويشرفهم أنهم دفعوا الثمن الأغلى في مواجهة الأنظمة المستبدة.
هل تريد التعليق؟