من أكثر الفيديوهات تداولا على صفحات التواصل الاجتماعي خطاب الرئيس التونسي المنصف المرزوقي. فالخطاب في الشكل والمضمون يليق بتونس، ويرقى إلى مستوى الربيع العربي.
في مثل هذه الأيام من العام 2010 كانت استضافة المرزوقي على فضائية تسبب أزمة دبلوماسية، واليوم لم تبق فضائية لم تبث خطابه الذي وَضع، على اختصاره، معالم طريق المرحلة المقبلة، ليس لتونس بل للعرب جميعا.
بدا المرزوقي كبيرا، ليس في استقالته من حزبه بعد أن صار زعيما لكل التوانسة، وإنما في انشغاله بأمته العربية على الرغم من جسامة المهام التي تنتظره. فنجاج التجربة في تونس هو نجاح للعرب الذين ينظرون إلى تونس قدوة لهم. وكان عظيما عندما تحدث عن الشعوب الثائرة، مبتدئا بالشعب السوري ومن دون أن ينسى شعب ليبيا واليمن وفلسطين.
هنا يجب أن نقارن بين الرئيس التونسي بعد الربيع العربي وبين سابقه زين العابدين بن علي، وبين الراحلين من أمثال القذافي ومبارك، ومن على وشك الرحيل كبشار الأسد وعلي عبدالله صالح، لنعرف الفرق بين الربيع العربي القائم والقادم، وبين الجحيم العربي الذي رحل أو على وشك الرحيل.
في آخر ظهور تلفزيوني لرئيس من رؤساء الجحيم، لم تفارق بشار ابتسامته الغريبة وعلى يديه دماء خمسة آلاف إنسان بريء. في المقابل، تدفقت دموع المرزوقي عندما تذكر الشهداء وفضلهم في مناسبة احتفالية على مستوى عالمي وعربي وتونسي وشخصي “بلا صنم ولا أيديولوجيا”.
المرزوقي تحد ث بقلب كبير وعقل أكبر، وخطابه يشكل وثيقة يسترشد بها ويحتاجها كل سياسي في العالم العربي، معارضا كان أم مواليا. لم يتحدث بشوفينية تونسية ولا بعلو وغطرسة، ولا بحقد ولا ثارات “يحاسب دون انتقام ويصفح دون نسيان”.
في غضون الخطاب تساءلت لو كان الشيخ راشد الغنوشي مكانه، بماذا سيختلف؟ هذا هو النجاح التونسي؛ فاللغة المشتركة الجامعة تشبه لغة السياسيين في أوروبا الذين يصعب أن تجد فروقا بينهم، ولا يختلفون إلا في تفاصيل. لقد تمكن المناضلون في تونس خلال فترة النضال المديد ضد الدكتاتورية من بناء جوامع وقواسم جعلت الثورة ممكنة، وبناء الدولة ليس صعبا.
لم تضطر وزارة الخارجية التونسية إلى عقد مؤتمر صحفي تكشف فيه كيف زورت وسائل الإعلام خطاب الرئيس، ولم تضطر لاستئجار شركات علاقات عامة لشراء الذمم والترويج للخطاب، لقد أصغى إليه العالم جيدا باهتمام واحترام؛ فهو أول رئيس عربي منتخب، وشتان بينه وبين خطاب “فهمتكم” أو “من أنتم” أو “لم أكن أنتوي الترشح” أو “ليس جيشي”! ولن يكون الخطاب الأخير.
هل تريد التعليق؟