سورية ليست مقسمة بين شبيحة وإرهابيين، ولا بين نظام دموي وثوار؛ هي بلد طبيعي. الشبيح بني آدم صنعته ظروف تاريخية اجتماعية وثقافية واقتصادية قاهرة. والإرهابي كذلك. والنفس البشرية تملك قرارها في النهاية؛ والأكثرية تنساق للأسهل والأمر الواقع، والقلة هي التي تتمرد وتختار وتدفع كلفة اختيارها.
في الثورة السورية، تكشفت عظمة الإنسان في تحدي الطغيان. القلة القليلة في درعا التي فجرت الثورة في 18 آذار 2011، رفضت أن تكون في السياق الذي اعتاده الإنسان السوري منذ سرقة حزب البعث للبلد، وسرقة الطائفة للحزب، وسرقة العائلة للطائفة. هذه القلة قررت أن تكون فدائية في لحظة صدق، وأن تطلب ما عند الله لا ما عند الناس. كانت تدرك أن أجهزة الأمن ستحصدها، واختارت “نهاية مرعبة خيرا من رعب بلا نهاية” على ما كتب أبو الحسن في حسابه على “سكايب”.
رياض حجاب واحد من هؤلاء. فالنظام اختاره في واجهة لهذه المرحلة، استرضاء للعشائر التي ظلت تقليديا، قبل الثورة، حليفا للنظام. واختاره لسمعته الطيبة في المناطق الحساسة التي خدم فيها؛ في القنيطرة المرتبطة بالجولان المحتل، وفي اللاذقية التي تضم معاقل الشبيحة وعظام رقبة النظام. كان بإمكان حجاب أن يكرر سيرة كثير من المسؤولين السوريين فسادا وإفسادا وامتيازات، خصوصا أنه جديد على المنصب. كان بإمكانه أن يعد أياما وينتظر وهو محمي في عشيرته، ولم يسبق له أن آذى إنسانا. لكنه اختار الأصعب؛ أن ينشق، وأن يكون جنديا في ثورة الشعب السوري. وبحكم موقعه وعمله، فهو يعرف شراسة النظام الذي وصفه بنظام القتل والإرهاب، بقدر ما يعلم أن نظاما كهذا يلعب في الوقت الضائع، وقد حذرت العامة من “ضربة مقفي”.
لم يعرف التاريخ البشري نظاما بهذه الدموية. لكن هذا لا يعني أن الدولة السورية بمجموعها عصابة؛ فهي المشغل الأكبر في دولة القطاع العام، وتضم الأكثرية الساحقة من الشعب السوري. ورياض حجاب واحد من الجيل الذي ولد ونشأ في ظل هيمنة البعث على الدولة والمجتمع. وكأي شاب، فلا مجال للعمل العام إلا من خلال الحزب الأوحد، وانتخب رئيسا لاتحاد طلبة دير الزور.
في الانشقاق مؤشر إيجابي للمستقبل. فانتصار الثورة لا يعني أن تبدأ سورية من الصفر، والقول بإسقاط النظام لا يعني تدمير الدولة. على العكس، أبناء الدولة في سورية، باستثناء العصابة، أكثر الفئات تضررا من النظام. حتى في صلب الأجهزة الأمنية والعسكرية، يوجد كثيرون متعاطفون مع الثورة، سواء بالعمل المباشر مع الثوار، أو بالتغاضي والتواطؤ معهم.
لقد جاء الانشقاق في وقت يخوض فيه النظام “أم المعارك” أو “معركة الأمة” في حلب. ومن الواضح، حتى اليوم، وعلى ما استخدم من قصف همجي بحق الأماكن المدنية الآهلة، فإن النظام يتراجع لصالح الثوار. وفي الوقت الذي تحسم فيه معركة حلب، تكون دمشق تحصيل حاصل. وستكون حلب أمرا واقعا، منطقة آمنة تسمح بانشقاقات نوعية وكمية.
مع ذلك، وفي ظل كل هذا القهر والحصار، نشهد انشقاقات نوعية، ليس آخرها رئيس الوزراء. إن من حكمة الله أن تدخلا دوليا لم يحصل، وخاض الشعب السوري معركته غير المتكافئة وحده. ومع ذلك، وبعد أكثر من عشرين ألف شهيد، بينهم أكثر من ألفي طفل، ما يزال بشار في القصر الرئاسي فرحا باستقبال ممثل المرشد بعد انشقاق رئيس وزرائه. وهي صورة معبرة، ليس مهما رئيس الوزراء، المهم هو المرشد الذي يزوده بكل أسباب البقاء؛ أي كل أسباب إبادة الشعب السوري. لكن لا المرشد ولا بوتين ولا الصين يمنعون سقوطه، إلا أنهم بالتأكيد يؤخرونه، ولولاهم لما بقي إلى اليوم يقتل شعبه.
هل تريد التعليق؟