سيقال إن الجامعات الحكومية مستقلة، فما بالك بالجامعات الخاصة؟ لا يمكن الربط بين “عدم تجديد” عقد الدكتور رحيّل غرايبة في جامعة الزرقاء وثلة من “إخوانه” وتصريحاته التي رد فيها على رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت بعد هجومه على حزب جبهة العمل الإسلامي. تماما كما لا يمكن الحديث عن تدخل من أطراف رسمية في انتخابات الشركة المالكة للجامعة والتي أقصي فيها مؤسس الجامعة ورئيسها الدكتور إسحق الفرحان.
كما تبرأ الحكومة الحالية من وزر “عدم تجديد” عقد الدكتور رحيل غرايبة تبرأ سابقتها من وزر عدم تعيينه ابتداء وفصله لاحقا من جامعة آل البيت. كل ذلك كان يتم بطريقة عفوية ولا داعي لنظرية المؤامرة. صحيح أن الجامعات تبحث عن كفاءات من مختلف أنحاء العالم لكنه لسبب ما تضيق بغرايبة، مع أنه من ألمع الباحثين في الفكر الإسلامي وربما يكون أول من أصل نظرية المواطنة في الدولة الإسلامية، في رسالة الدكتوراه القيمة التي نشرت كتابا من بعد. وهو الذي استكتبته الزميلة “الرأي” في زاويتها الشهيرة “سبعة أيام”، وهي الزاوية التي ظلت تخرج وزراء، لكنها في حال رحيل خرجت مفصولين!
الدكتور رحيل غرايبة نموذج للشاب العصامي ابن القرية الذي شق طريقه في الصخر. لم يكن مجرد باحث من طراز رفيع، انخرط في العمل الدعوي والسياسي وتخرج على يديه طلاب وباحثون ونشطاء في العمل العام. كان أيام الأحكام العرفية وفي عز أحداث جامعة اليرموك صيف عام 1985 أحد مسؤولي قسم الجامعات في جماعة الإخوان المسلمين. واعتقل إثرها زهاء نصف عام، وحورب في عمله ورزقه. وللأسف لم تتوقف الحرب عليه إلى الساعة.
شتان بين العمل الطلابي الراقي في أحداث اليرموك وبين المشاجرات العشائرية التي لم تتوقف هذا العام في الجامعة والتي طوقت بصورة تنم عن استسلام الجامعة لمعايير “فنجان القهوة” لا المؤسسات والأنظمة والقوانين التي لا تطبق إلا على النشطاء السياسيين في الجامعات. للمرة الأولى في تاريخها انفتحت القوى السياسية، إسلامية ويسارية ووطنية، على بعضها في قضايا مطلبية عادلة. يومها أنصفت لجنة التحقيق المستقلة الطلاب ودانت رئاسة الجامعة ومن فوقها. طبعا من بطشوا بالطلاب عادوا إلى مواقع أرفع مما كانوا بها أيام الأحداث. ومن قادوا الحركة الطلابية يومها لا يزالون إلى اليوم يدفعون ثمن مواقفهم.
يستطيع رئيس الوزراء أو الناطق باسم الحكومة أن يرد على تصريحات الدكتور رحيّل. والسجال السياسي علامة صحة في الدولة. ومهما نأت الحكومة بنفسها عن قرار “عدم تجديد” عقد الدكتور غرايبة، فإن توقيت القرار وسرعة اتخاذه، سيدفعان كثيرين للقول إن غرايبة دفع ثمن مواقفه السياسية. وإن لم يكن للحكومة علاقة بما جرى، فعلى وزير التعليم العالي أن يتدخل لحماية الأكاديميين. لا أتحدث في الجانب الإنساني وأقول إن الدكتور رحيل غرايبة رب أسرة فجع برحيل زوجته المربية الفاضلة، وأن عبء الأسرة مضاعف عليه، لكن أتحدث عن تعامل الحكومة مع معارضيها.
من حق الدكتور رحيل بصفته أكاديميا أن ينتقد رئيس الوزراء، ومن حقه بصفته قياديا في حزب معارض أن يهاجم رئيس الوزراء، هو لم يطلق الرصاص ولم يفجر ولم يخرب، هو قال رأيا وعلى الحكومة أن تقول رأيها.
لست من “نادي أصدقاء الرئيس” لكنني أنصح الدكتور معروف البخيت أن يعين الدكتور رحيل غرايبة في الجامعة الأردنية التي ظل من خيرة طلبتها من البكالوريوس إلى الدكتوراه ليثبت أن الحكومة لا تضيق برأي معارض وتقدر العلماء والباحثين. وإلا فإن أمام غرايبة خيارا واحدا وهو الترشح للانتخابات البلدية أوالنيابية المقبلة في الزرقاء المكان الذي ضاق به.
هنا يجدر التذكير بفصل الدكتور احمد الكوفحي من جامعة اليرموك، إذ كان الفصل بابا لفوزه في الانتخابات النيابية التكميلية عام 1984، وحصوله على أعلى أصوات لمرشح في تاريخ الأردن عندما حصل على أكثر من ثلاثين ألف صوت في انتخابات 1989. ولا يستبعد أن يعيد التاريخ نفسه هذه المرة.
هل تريد التعليق؟