مقالات

زيارة جديدة لتفجيرات عمان

بعد ثماني سنوات من تفجيرات عمان نحمد الله أنها لم تتكرر. وأن المجتمع تمكن فعلا من القضاء على الإرهاب من خلال تجفيف روافده. ولعل أخطرها الحاضنة الاجتماعية. وللتذكير فإن النجاح الأمني تحقق بفعل وعي المجتمع وتعاونه، وصاحب الشقة التي آوت الإرهابيين هو من بادر بالتبليغ عنهم وألح على الأمن للتدقيق في محتويات الشقة، فوق ذلك لم تستقبل ساجدة الريشاوي في بيت أنسبائها بالسلط بل قاموا بتسليمها. ولم يتقبلوا دوافعها، مع أن ابنهم قتل في العراق على يد الأميركيين.
هنا يتبين خيط المقاومة الأبيض من خيط الإرهاب الأسود الذي فهمه المواطن البسيط. فالأميركان محتلون، وقتالهم توجبه وتجيزه شرائع الأرض والسماء، وثامر شقيق ساجدة، وغيره من أشقائها وأقاربها ضحايا إرهاب أميركي. لكن مقاومة الاحتلال لا تحلل دماء الأبرياء. والانتقام من المحتل لا يكون بتفجير في عرس. ساجدة التي لم ينفّذ فيها حكم الإعدام، ضحية ومجرمة في آن. قيل لها إن فنادق عمان تعج بالسي آي أيه، ومع أن أحدا من السي آي أيه لم يقتل، فاخر الزرقاوي بالعمل، ناعيا “أم عميرة” أي ساجدة، وكانت رسالته الخيط الأول في التحقيق، إذ إن فحوص الحمض النووي لم تظهر أنثى ضمن الانتحاريين.  
لم يكن الاحتلال الأميركي وحده رافدا للإرهاب، تلاقى مع روافد مخلفات الاستبداد الصدامي، والاحتراب الطائفي، وثقافة الجهل وتعطيل العقل. عشية التفجير في فندق الحياة كنت مع الزميل وليد العمري في بهو الفندق، ولو أن الانتحاري سبق بـ 24 ساعة لكنا من الضحايا، في الليلة التالية كان أعظم مخرجي العرب مصطفى العقاد وابنته، قضى العقاد الذي ترك من بعده صدقة جارية في فيلمي “الرسالة” و”عمر المختار” اللذين عرفا العالم معنى الجهاد باعتباره حفاظا على الحياة قيمة عليا. لو أن الانتحاري نظر وفكر، لما قتل.عندما يشاهد أناسا عاديين ونساء وأطفالا كيف يفجر؟ قطعا هو لا يفكر. وشعاره فجّر ثم فكّر!
هزم الأميركان في العراق، وخرجوا. لكن تركوا حكما طائفيا استبداديا أسوأ منهم. تركوا نهرا من الإرهاب يفيض على المنطقة. مع أنهم احتلوا العراق بدعوى محاربة الإرهاب. للمفارقة، تبين للأميركيين أن العلاقة  بين صدام والقاعدة كذبة مثل أسلحة الدمار الشامل، لكنهم خرجوا من العراق وفيه أكبر تنظيم للقاعدة. وكان له دور كبير في هزيمتها.
 لم يتقبل المجتمع الأردني الإرهاب، ومع أن مئات قاتلوا الاحتلال في العراق والاستبداد في سورية، إلا أن أردنيا واحدا لم يفجر نفسه في عمان، كل الانتحاريين في تفجيرات عمان لم يكونوا أردنيين. وظل المجتمع الأردني بمجمله رافضا للإرهاب. وهذه ميزة يجب الحفاظ عليها وتقويتها. فأسهل شيء هو إيجاد المتفجرات وتصنيعها، لكن الأصعب هو صناعة الانتحاري الذي يفجر نفسه.
يحق لنا أن نحمد الله على أن تفجيرات عمان كانت الأخيرة، لكن ذلك ليس كافيا. فليس بالأمن وحده يحيا الإنسان، والإصلاح السياسي ضرورة حتى تظل الدولة محتكرة للقوة، وحارسة لحلبة المنافسة السياسية الشريفة.

هل تريد التعليق؟