مقالات

سلاح الغدر!

مهما حاول وليد جنبلاط تصحيح وتوضيح تصريحاته بحق حزب الله فالكلام في الأوقات الطبيعية كالرصاص لا يمكن إعادته بعد الإطلاق، فكيف في ظروف إطلاق الرصاص؟ فسلاح حزب الله هو سلاح الغدر، وجنبلاط بالنسبة لحزب الله هو تجسيد للغدر. على الطرفين التعامل على أرضية الغدر هذه. مع أن الأرضية التي جمعت بين الطرفين كانت إلى ما بعد اغتيال الحريري غيرها تماما. فجنبلاط حرص على التمييز بين سورية وحلفائها وتحديدا حزب الله وأطلق في حينها تصريحاته عن عمائم الموحدين (الدروز) وعمائم حزب الله (الشيعة) التي حفظت للبنان عروبته.

قد يكون تسرع وقد يكون خانه التعبير وقد.. لكن المؤكد أنه أخرج للعلن كلاما يقال في الجلسات الخاصة لا المؤتمرات الصحافية. فالسلاح الفلسطيني لم يعد مشكلة في لبنان، بما في ذلك سلاح الجبهة الشعبية القيادة العامة الموجود في تلال الناعمة. والذي تحدث عنه جنبلاط في تصحيحه لكلامه عن حزب الله، فالمقاتلون في تلك التلال سيموتون عطشا لو قطعت السلطة اللبنانية عنهم الماء. والفلسطيني في لبنان لا غطاء محليا ولا إقليما ولا دوليا له، والقيادات الفلسطينية سواء من كان في فلك السلطة أم خارجها أذكى من أن تتورط في حرب نتيجتها محسومة لصالح أصحاب الأرض. وفي تجربة الحرب الأهلية دروس لا تنسى.

جنبلاط هذه المرة دمج بين سورية وحلفائها وتحديدا حزب الله، وجعل الحزب شريكا لها في ما اتهمت به. مع أن تقرير ميليس أصدر براءة بحق حزب الله، وأشار إلى جماعة الأحباش في قضية اغتيال الحريري. وهو عندما يتحدث عن سورية لا يتهمها بالوقوف وراء اغتيال الحريري وسمير قصير وجبران تويني ومحالة اغتيال وزيره وصديقه الأقرب مروان حمادة فقط بل سبق وصرح أن من اغتال والده كمال جنبلاط هم “شراذم البعث”.

خطورة كلام جنبلاط  أنه ينقل المعركة مع سورية إلى الداخل. فاتهام الحزب ولو بطريقة غير مباشرة بالمشاركة في الجرائم من خلال “سلاح الغدر” لا يجعل الطائفة الشيعية تنفض من حول الحزب وتنزع عنه الغطاء الشعبي، بل على العكس سيزيد من تعصبها له بالحق والباطل. وهذه طبيعة العلاقات الغريزية التي تتقوى في لحظات الشدة، وما حصل مع حزب الله سبق وأن حصل مع المليشيات المسيحية، فمحاكمة سمير جعجع على جرائمه واستثنائه من عفو الطائف لم يزد الموارنة حوله إلا التفافا.

من يحمي حزب الله ليس الدولة اللبنانية، ولا إيران ولا سورية، من يحميه الطائفة الشيعية التي تلتف حوله. ومن يحمي وليد جنبلاط ليس حكومة الأكثرية التي ينتمي إليها ولا الولايات المتحدة الأميركية من يحميه الطائفة الدرزية التي يعتصم في جبالها في المختارة. ولو وصل إلى بيروت لما كان بمنأى عن السيارات المفخخة. وهو ما ينطبق على حسن نصر الله المعتصم بالمربع الأمني في الضاحية الجنوبية.

سواء كان سلاح حزب الله هو سلاح المقاومة التي حررت الجنوب أم سلاح الغدر الذي ارتكب الجرائم في بيروت فإن نزعه يحتاج إلى قوة كونية، أي الولايات المتحدة، مدعومة إقليما ومحليا. ولا يبدو أن القوة الكونية والقوى الإقليمية والمحلية راغبة أو قادرة على الدخول في معركة السلاح الأساسي فيها السيارات المفخخة. فتلك السيارات التي تطارد الأميركيين في العراق سبق أن أخرجتهم من لبنان.

كان بإمكان جنبلاط أن يقول ما قاله في لقائه المغلق مع وليش، دون أن يصرح به، وهو ليس من النوع الذي لا يحسب كلامه. قد يكون ما صرح به مقدمة لمرحلة جديدة من التحقيقات عقب مرحلة ميليس لا يكون فيها حزب الله بمنأى عن التحقيق. والتصريحات تمهد الطريق، أقله للرأي العام خارج لبنان، أمام المحقق الدولي الجديد الذي قد يجد بانتظاره سيارات مفخخة.

هل تريد التعليق؟