لا يجوز تمرير الاحتفال الذي أقامه نواب تحت القبة بعيد ميلاد جلالة الملك؛ حرصا على الملكية الدستورية، بقدر الحرص على المجلس النيابي، وليس فقط على صورة البلاد وسمعتها.
لا تهم النوايا، حتى وإن كانت صادرة عن قلب صادق المحبة. المهم هو الصورة، والظاهر الذي أبدى خفة غير مسبوقة لا في الأردن، ولا في تاريخ الملكيات عالميا وعربيا. والسكوت على ذلك سيدفع آخرين، بحسن نية ربما، إلى عقد حلقات الدبكة تحت القبة، أو عمل استعراضات فلكلورية أو معارض صور بمناسبات وطنية. ولا بأس في أن تُذبح الإبل والخراف، فتلك أقرب إلى تقاليدنا من تقطيع كعكة بحسب التقليد الغربي.
من يفهم معنى الملكية في الأردن، يعلم أن عبدالله الثاني ولد ملكا تحت تلك القبة، يوم أقسم أمام مجلس الأمة أن “يكون مخلصا للأمة، وأن يقوم بالواجبات الموكولة إليه بأمانة”. ويوم ولد قبل 52 عاما، كان ولي العهد، لأن الدستور الذي أقره مجلس الأمة نص على أن ولي العهد هو الابن البكر.
وتحت القبة، يلقي الملك خطبة العرش، ويعرض الحكومات التي يكلفها للثقة. ولمجلس الأمة أن يحجب أو يمنح. ونواب الأمة هم من يشرّعون القوانين، ويتحكمون بكل فلس يخرج من الموازنة أو يدخل فيها.
ليست القبة مكانا لاحتفال عام أو خاص. وللملكية من المكانة، ما يقصر التعامل معها على حدود الرصانة، بعيدا عن الخفة. ولا مجال للمزاودة هنا، فلم يسبق لمجلس نواب، لا في ملكية دستورية ولا في جمهوريات ملكية، أن جعل القبة ساحة طعام. ماذا ترك هؤلاء للـ”منحبكجية”؟ إن الولاء للملك، ومحبته، والإخلاص له، يعبر عنها من خلال القيام بالدور النيابي؛ رقابة وتشريعا وسياسة، لا من خلال أدوار من الممكن أن يقوم بها طلبة رياض الأطفال تحت سقف أي مدرسة.
في أميركا، البلد الذي علم العالم ناطحات السحاب، لا مبنى يعلو في العاصمة واشنطن على قبة الكونغرس، وذلك تصميم المهندس الفرنسي الذي خطط للعاصمة. عندنا أخفض مكان في العبدلي هو قبة مجلس النواب! الشكل مهم؛ فهو على رأي ميشيل فوكو “يحقق المضمون”. لذا، من المهم الحفاظ، ولو شكلا، على هيبة القبة. وحسب علمي، فإن الديوان الملكي يبذل جهودا كبيرة مع الوزارات والمؤسسات، لوقف كثير من الممارسات المفتعلة باسم الولاء.
بمعزل عن كل ذلك، كان يستطيع النائب أن يجد ألف وسيلة رصينة للتعبير عن فرحته. من ذلك مثلا، وهو متخصص في مجال السياحة، إطلاق حملة لتنظيف المواقع السياحية بهذه المناسبة. كما كان يستطيع افتتاح حديقة أو مكتبة عامة أو مركز لرعاية الأيتام، أو أن يدعم مبادرة لتوفير الطاقة، أو يبتعث طالبا متفوقا، أو يمول دراسة في قضية تهم البلاد. وربما يقوم الديوان الملكي في السنوات المقبلة بعرض قائمة مشاريع وأفكار للمقتدرين الذين يريدون التعبير عن فرحتهم.
ما حصل يستدعي الاعتذار؛ لصاحب المناسبة، وللأمة صاحبة القبة. ولا يُقبل أن يتكرر بأي مناسبة، عامة أو خاصة. وإلا، فإن القبة ستتحول إلى صالة احتفالات، وقد نشهد فيها إطلاق زخات رصاص ابتهاجا، وكله باسم الولاء!.
abuhilalah@
هل تريد التعليق؟