مقالات

سياسة إيران المعادية والرأي العام العربي

احتفل مؤيدون لحزب الله على “الفيسبوك” بنتائج “المؤشر العربي” لهذا العام، بخصوص سؤال من تعتبر الأكثر تهديدا للأمن العربي. إذ أجاب 6 % فقط بأن إيران هي الأكثر تهديدا، فيما اعتبرت الأكثرية الساحقة إسرائيل هي العدو، تليها الولايات المتحدة.
الاحتفال أعطى صدقية إضافية للاستطلاع الذي يصدر عن المركز العربي للبحوث في الدوحة. وقد غاب عن المحتفلين أربع مسائل. الأولى، أن الاستطلاع يُقرأ كاملا. فالرأي العام العربي بحسب المؤشر يناصر الثورة السورية، وترى أكثريته الحل برحيل بشار الأسد، وهو ما يتناقض جوهريا مع موقف إيران وحزب الله المشارك بجرائم بشار بصورة مباشرة. والثانية، أن الاستطلاع يسأل عن الأكثر تهديدا؛ أي إن
الـ6 % تعتبر إيران أخطر من إسرائيل وأميركا، وهذا لا يعني أنها تهديد أقل. والمسألة الثالثة هي أن الاستطلاع أجري قبل معركة القصير التي أعلن فيها حزب الله مشاركته في الحرب على الشعب السوري، وهو خلاف موقفه الخفي والمداور سابقا. أما المسألة الرابعة، فهي أن الموقف في الدول التي تشهد وجودا شيعيا أو قريبة من الاحتكاك السني-الشيعي ترتفع فيها النسبة، بخلاف الدول العربية البعيدة. ففي لبنان حيث حزب الله، كانت أعلى نسبة؛ وبلغت 14 %، يليها الأردن بنسبة 13 %، فالسعودية 11 %، ثم اليمن 10 %.
وأبرزت نتائج الاستطلاع أن 62 % من الرأي العام في المنطقة العربية يرون أن عبارة: “ما يجري في سورية اليوم هو ثورة شعب ضد النّظام” هي الأقرب لوجهة نظرهم، فيما عبر 27 % من المستجيبين عن تأيّيدهم عبارة “إنّ ما يجري في سورية هو مؤامرة خارجيّة على سورية” كونها الأقرب لتوصيفهم لما يجري هناك. ونصف من يرون أن ما يجري مؤامرة خارجية يرون أن الحل الأمثل هو تنحية بشار الأسد. أما نسبة الذين يرون الحل بسحق الثورة عسكريا، كما حصل في القصير، فنسبتهم 3 %.
ولمعرفة نفوذ حزب الله والعامل الطائفي، لنقرأ النتيجة في لبنان، إذ “تشير النتائج إلى أن أكثرية المستجيبين في كل بلد من البلدان المُستطلَعة تؤيّد تنحّي الأسد عن السّلطة باستثناء الرأي العامّ اللبناني، إذ انقسم على نفسه ما بين 44 % أيّدوا تنحي الأسد و46 % عارضوا تنحّيه. بل إن الرأي العامّ في بعض البلدان: مصر؛ والكويت؛ واليمن؛ والسعودية؛ والمغرب؛ وفلسطين؛ والأردن؛ والسودان؛ والجزائر، شبه مجمع على تأيّيد تنحّي الأسد. فقد أيّده 91 % من المصريّين ذلك، و90 % من الكويتيّين، و88 % في السّعودية، و87 % في اليمّن.
وحتى من يرون أن ما يجري مؤامرة لا يقفون مع بشار. فأنا شخصيا، بعد عامين من الثورة، أعتبر أن ثورة الشعب السوري العظيم تعرضت لمؤامرة دولية شاركت فيها إيران بغباء. فقد دمرت البلاد من خلال الدعم المطلق لبشار عسكريا، ومنع تسليح الثوار إلا بالقدر الذي يبقيهم يقاتلون بدون حسم. ولو زُودوا بالسلاح الذي حصل عليه المجاهدون الأفغان أو الثوار في ليبيا، لسقط النظام منذ عام. إذ إن السلاح النوعي هو الذي يحسم المعارك؛ فالمجاهدون الأفغان هزموا الاتحاد السوفيتي عندما أنهى صاروخ “ستينغر” تفوقه الجوي، وحزب الله أوقع مذبحة دبابات ليس بنصر إلهي وإنما بصاروخ “الكورنيت” المضاد للدروع.
باختصار، ووفق نتائج الاستطلاع، يمثل من يؤيدون سياسة إيران وحزب الله في القضاء على الثورة 3 % فقط. وهذا لا يعني أن إيران عدو عند الرأي العام أكثر من إسرائيل، أو أن الشيعة أعداء، فالموقف سياسي لا طائفي ولا عنصري، وهذا يعكس ذكاء الرأي العام ونبله في آن، على رغم بشاعة المجزرة في القصير بخاصة وفي سورية بعامة.

هل تريد التعليق؟